يومًا بعد يوم، يتقدّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استطلاعات النوايا الانتخابية، حيث كشف مركز "إيلاب" أنّه سيفوز بنحو 33.5 بالمئة من إجمالي الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات المقررة في 10 نيسان المقبل. أي بزيادة 8.5 نقاط بالمقارنة مع الأسبوع الفائت، وذلك بالتزامن مع احتدام وتيرة المعارك في أوكرانيا. في المقابل، كشف "إيلاب" أنّ اليمينية المتطرفة زعيمة حزب التجمع الوطني، مارين لوبين، جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 15 بالمئة من الأصوات. أمّا مرشح اليسار وزعيم حزب "فرنسا الأبية" جان-لوك ميلانشون فأتى ثالثاً بنسبة 13 بالمئة، وتلاه اليميني الشعبوي إيريك زيمور بنسبة 11 بالمئة. وأخيراً جاءت مرشحة حزب "الجمهوريون" اليميني فاليري بيكريس خامسةً بنسبة 10.5 بالمئة.
ماكرون يتحرّك لبنانياً
لطالما اضطلعت فرنسا بدور مؤثّر في لبنان، وفي الفترة الأخيرة، أي بعد انتفاضة 17 تشرين الأول، وشكّلت إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا فريقاً ثلاثياً عمل على متابعة التطوّرات. وفي تلك الفترة أيضاً، تكرّرت زيارات السفير الفرنسي والمنسق العام حول لبنان، بيار دوكان، إلى بيروت. وقد شكّل انفجار المرفأ في 4 آب قبل عاميْن محطة أساسية لتعزيز هذا الدور بعد انكفاء متعمّد، عندما أعلن ماكرون عن مبادرته الشهيرة وعن مساعدات إنسانية للمتضررين.
واصل الفرنسيون اهتمامهم بلبنان بالتنسيق مع الأميركيين، وترجم ذلك بلقاء السفيرتيْن الفرنسية آن غريو والأميركية دوروثي شيا في الرياض إلى جانب وكيل وزارة الخارجية السعودية للشؤون السياسية والاقتصادية، السفير عيد بن محمد الثقفي، في تموز الفائت.
واليوم، ليس من باب المصادفة، أن يوفد ماكرون قبل الانتخابات الفرنسية وزير النقل جان باتيست دجيباري لتوقيع مذكرة تمنح لبنان 50 باصاً مستعملاً كهبة مخصّصة للنقل المشترك، مع وعد بـ 100 باص إضافي بعد أشهر. وكان هذا الملف قد نوقش خلال زيارتَي ماكرون بعد انفجار المرفأ. وفي السياق نفسه، تندرج زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان التي كانت مقررة في مطلع الشهر الجاري قبل أن تتأجل.
تنسيق فرنسي-مصري
ينسق الفرنسيون بشكل وثيق مع المصريين حول لبنان منذ انفجار المرفأ، وقد عمل الطرفان على زيادة التنسيق مع السعوديين مع تكرار الزيارات المتبادلة بعدما حطّ ماكرون في الرياض للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كانون الثاني الماضي. وكان لبنان على مائدة البحث، وتبع ذلك اللقاء زيارة لدوكان، ثم وصل وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان إلى مقر وزارة الخارجية الفرنسية، "الكي دورسيه"، مطلع آذار الجاري والتقى لودريان ودار بحث حول ملفات أوكرانيا واليمن ولبنان وإيران. وما إعلان السعودية عن تخصيص مبلغ 38 مليون دولار لمساعدة لبنان بالتعاون مع فرنسا، إلاّ بادرة حسن نية سعودية تجاه الفرنسيين أولاً قبل أن تكون تجاه لبنان، كونها نتاج اتفاق ماكرون وبن سلمان.
شركة مصرية لتوسيع مرفأ طرابلس وفرنسية لمرفأ بيروت
لا ينفصل فوز "شركة المقاولون العرب" المصرية في 29 تموز بعقد مشروع لتطوير واستكمال البنية التحتية لمرفأ طرابلس عن هذا التنسيق. وبعد 4 آب، أصبح مرفأ طرابلس- ثاني أكبر مرفأ في لبنان- محط أنظار عدد كبير من الدول لموقعه الاستراتيجي القريب من سوريا. ويستهدف المشروع الذي يموّله البنك الإسلامي للتنمية بمبلغ 87 مليون دولار تطويراً كاملاً وإنشاء مبان جديدة. أهمية هذه الخطوة أكدها تصريح السفير المصري ياسر علوي الذي اعتبرها "قراراً استراتيجياً مصرياً بدعم لبنان".
في السياق نفسه، ليست مصادفة أن تفوز شركة CMA-CGM التي يملكها اللبناني-الفرنسي رودولف سعادة، الذي رافق ماكرون لدى زيارته بيروت بعد انفجار المرفأ المشؤوم بمناقصة تلزيم محطة الحاويات في مرفأ بيروت بعد إطلاقها في 11 تشرين الثاني من العام 2021. وكانت شركتا "غلف تاينر" وCMA-CGM قد تقدّمتا للمناقصة، قبل أن يتم التلزيم بالتراضي من قبل وزير الأشغال علي حمية، بعد فضّ العروض، حيث قدّمت "غلف تاينر" عرضاً بقيمة 12 دولاراً و320 ألف ليرة مقابل كل حاوية، أمّا عرض CMA-CGM فبلغت قيمته 11.27 دولاراً و285 ألف ليرة مقابل كل حاوية.
وتوصّل الطرفان إلى اتفاق خُفِّضت بموجبه كلفة الحاوية إلى 11 دولاراً و285 ألف ليرة، كما بلغت قيمة الاستثمار في المحطة 32 مليون دولار لتحسين عمليات المناولة والتفريغ وسواها من خلال شراء معدات وتجهيزات تعود ملكيتها في نهاية العقد للمرفأ. ومن المعلوم أنّ محطة الحاويات تشكّل، وفق وزارة الأشغال، ما يقارب 85 بالمئة من حركة المرفأ.
توتال حاضرة
تشترك توتال الفرنسية في تحالف شركات يضم "إيني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية باتفاق التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية. وبعد اتفاق وزراء الطاقة في كل من مصر ولبنان والأردن وسوريا على تزويد لبنان بالغاز المصري عبر سوريا، أعلنت توتال عن استعدادها لتزويد لبنان بالغاز السائل والبنى التحتية اللازمة لتخزينه وتغويزه. كما تُعتبر توتال شريكاً أساسياً في قطاع المحروقات اللبناني.
كذلك، تؤكد فرنسا مواصلتها دعم القطاع التعليمي، ففي العام 2020 خصصت أكثر من 20 مليون يورو للمدارس الكاثوليكية الفرنكوفونية وسلّمت منحاً للأهالي عن آلاف التلامذة.
نحو دور أكبر
يكرّر المسؤولون المتابعون في الخارجية الفرنسية كما السفيرة الفرنسية، آن غريو، اهتمام فرنسا البنيوي بالقطاعات كافة، من النقل إلى التربية والتعليم والصحة والقطاع المالي والمصرفي. وهذا الاهتمام يتبنّاه ماكرون ويضعه على أولويات اهتمامه إذا ما أعيد انتخابه، على أن يؤّلف فريقاً فرنسياً مواكباً وأكثر معرفة بالواقع اللبناني وأكثر رغبة بتمديد النفوذ الفرنسي في هذا البلد الصغير، لما يمثّله من حضور استثنائي لمسيحي الشرق من جهة، ولموقعه الجغرافي الذي يخدم التمدد الفرنسي باتجاه سوريا والعراق والوطن العربي برمته حتى إيران، من جهة ثانية. وإلى ذلك الحين يتطلع الجميع للانتخابات الفرنسية ولحصول الانتخابات اللبنانية أو عدمه. وعلى الرغم من أنّ انتخابات لبنان لن تأت بتغيير جدي، غير أنّ اللبنانيين يتطلعون إلى شكل التعاون الإقليمي الفرنسي حول لبنان بعين الأمل للخروج من أزماتهم المتناسلة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها