هل لنا أن نذكّر هؤلاء الثوريين واليساريين المزعومين، المحتفلين والمزهوين بالعنف والتحطيم والحرق، بمشاركة زمر موتوسيكلات حزب الله الفاشيّة الذكورية، بأن العنف والحرق والتخريب والدم، لا تمكن الناس، ولا سيما المظلومين والمستغلين والمستضعفين، من استعادة حريتهم ومبادرتهم.
فإذا كانت الثورة أهم وأنجع وأسرع "مدرسة للحياة العامة"، على ما كانت تردد بلا كلل روزا لوكسمبورغ، فإن تلك المدرسة ليست للعنف، بل على العكس تماماً. فما يشكّل المناخ المثالي لكسر القيود التي تكبل البشر، وتمكينهم من اقتحام مسرح الحياة العامة واكتساب الوعي وممارسة الحرية والإرادة الجماعية، هو الطبيعة السلميّة للتمرد والعصيان والتظاهر والثورة. فروزا لوكسمبورغ، كانت حريصة على استقلال الحركة الشعبية وتحركاتها، كشرط لتحررها. ولم تكن تدعو إلى العنف، أو ترى فيه وسيلة من وسائل الثورة. فالثورة على ما كانت تردد، "ليست حمام دم، بل شيء آخر مختلف". والعنف هو ما تتوسل به السلطة لقمع الثورة وإغراقها بالدم، وتحويلها إلى صراع عنيف ومسلح، بل إلى إرهاب غالباً ما تمتلك السلطة قواعده ولغته وأدواته. وذلك لاستبعاد أوسع القطاعات الشعبية، ولا سيما النساء، من ميادين الثورة، بل من الحياة السياسية العامة التي سرعان ما تموت تحت وطأة العنف والعسكرة.
والحق أن أشد ما تكرهه الأنظمة الاستبدادية وتخافه، هو التظاهرات والانتفاضات السلمية التي يخرج فيها الشعب والفئات الاجتماعية المتنوعة من الصمت الكئيب لمباشرة القول والفعل والحرية في العلانية العامة.
وهل نذكّر ثوريينا المزعومين أيضاً أن أي عمل وفعل، بما في ذلك العنف، لا تكمن معانيه ودلالاته في ذاته، وإنما يكتسب معانيه ودلالاته في السياق الاجتماعي الوضعي والظرفي المحدد. فهل لهم أن يفكروا لحظة ويقولوا لنا ما هي المعاني والتأويلات الاجتماعية (الطائفية) لأعمال العنف والتكسير التي تقوم بها زمر "شيعة شيعة شيعة" في وسط بيروت؟
أنبياء الوعي الطبقي
وكيف يفكر أولياء الوعي الطبقي ووكلائه في لبنان، أن هذه الزمر التي ما انفكت منذ بداية انتفاضة 17 تشرين 2019، وحتى مساء السبت 13 حزيران 2020، تهاجم المتظاهرين ضد السلطة ونظام العصابة السطوية، كالذئاب المسعورة، وعلى إيقاع هتاف "شيعة شيعة شيعة". فهل دويلة حزب الله خارج منطومة السلطة؟ وهل نزل الوحي فجأة على هذه الزمر، فحررها من عبوديتها للمرشد نائب صاحب الزمان، فصارت حرة ممتلئة بالوعي الطبقي الثوري العابر للطوائف؟! وهل هبّت تلك الزمر تلقائياً إلى الموتوسيكلات، فأسرعت إلى الإغارة على "معقل البرجوازية والرأسمالية" في وسط بيروت وعملت فيه تدميراً وحرقاً؟! بعدما حلّت به النكبات المتلاحقة، منذ عسكرت فيه ما يناهز سنتين قوى 8 آذار ما بين خريف 2006 و2008، بقيادة حزب الله الإيراني في لبنان وتوجيهه.
فليعذرنا أنبياء الصراع الطبقي على ما نحن به من جهالة بل وطائفية بغيضة و"شيعوفوبيا"، أدت إلى عمانا عن الحقائق الطبقية النقيّة الساطعة التي تملأ أبصارهم كشمس لا تغيب!
والزمر الهاتفة "شيعة شيعة شيعة"، كيف انقلبت بين ليلة وضحاها إلى هتاف آخر: "سنة وشيعة، لا للطائفية"، فيما هي تحطم وتحرق في وسط بيروت؟!
أما سلوك القوى الأمنية اللبنانية، ووقوفها كالحمل الوديع متواطئة أو خائفة، حيال اعتداءات زمر حزب الله على الأملاك الخاصة والعامة في وسط بيروت، كما في اعتداءاتها على الناس والمتظاهرين، فيظهر بوضوح لا لبس فيه من يمتلك السلطة في الحقيقة وما هي طبيعتها.
وسلوك القوى الأمنية اللبنانية هذا، يشبه رهبة قوات الجيش النظامي السوري أمام فصائل القوات الخاصة والحرس الجمهوري ومخابرات القوات الجوية وغيرها من فصائل المخابرات الأسدية.
بين بديلين
أما اليساري العتيق المتقاعد وداعية المجتمع المدني شربل نحاس، وتجمع "مواطنون ومواطنات" في شربل نحاس، أولئك الذين تظاهروا في وسط بيروت، رافعين صور شربلهم "البديل"، فيذكرون بحملة دعائية انتخابية في بداية السبعينات من القرن الماضي. فقد استفاق البيروتيون في صباح من ذلك الزمن، ليجدوا جدراناً كثيرة في مدينتهم مزينة بملصق كبير مدونة عليه عبارة: "من هو البديل؟".
وظل البيروتيون أسبوعاً كاملاً حائرين منتظرين الجواب - اللغز. إلى أن ظهر ملصق آخر على الجدران نفسها مزيناً بصورة رجل لا يعرفون عنه شيئاً، وفوق الصورة شعار كبير: "محمد المغربي هو البديل".
لكن محمد المغربي ذاك كان يمتلك من الطرافة وخفة الظل ما لا يمتلكه اليوم شربل نحّاس وحاملي صوره بوصفه البديل.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها