إنّه زمن الانتخابات. كل الطرق توصل إليها وكل الأسئلة والنقاشات والحوارات. فالسياسة في لبنان تتمحور منذ أن صار في لبنان سياسة حول الانتخابات لأنها كانت وربما ستبقى وظيفة اجتماعية و"وجاهية" بمثل ما هي وظيفة سياسة. والحديث مع النائب حرب كان جلّه عن الانتخابات وشؤونها، ولاسيّما قانونها شاغل الدنيا هذه الأيام. وبما أن نائب البترون متخصص في القانون، فهو يُسأل أيضاً عن القضايا الدستورية المثارة هذه الأيام من جرّاء مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون.
"الشيخ بطرس" محتار وسبب حيرته أنّ "الذين يتعاطون بمسألة قانون الانتخاب بصورة رسمية أو غير رسمية، وبصورة خاصة اللجنة الرباعية، حيّروا أنفسهم وحيّروا الناس معهم. مشكلة هذه المباحثات أن كلّ واحد من أعضائها يريد منها ما يناسبه. كأن هناك محاولة لتفصيل ملابس للجميع، لكن مقاسات الأجسام ليست متماثلة. وهذا يصعّب العملية".
يستعيد حرب كيفية وضع القوانين الانتخابية بين الماضي والحاضر. ففي الماضي كانت السلطة التنفيذية تضع هذه القوانين وترسلها بالمراسيم الاشتراعية إلى المجلس النيابي الذي يصدرها بقانون، بعدها أتى السوريون وسيطروا على الغالبية في المجلس النيابي وصاروا يرسلون القانون الذي يناسبهم ولديهم أكثرية تصوت عليه ضد الأقلية التي كنّا منها. بعدما خرج السوريون ضاعت الطاسة: من يقّر القانون وعلى أي أسس؟ اعتبروا أنه بالحوار يتوصلون إلى حل. شيطنوا قانون الستين واعتبروه كارثة على البلد، وبرأيي قانون الستين يجب أن يتغير أو يعدّل، إلا أن الطروحات البديلة منه معقدة وتتناقض في بعض نواحيها مع بعض التركيبات الاجتماعية والطائفية في البلد.
يضيف: في المجلس هناك 17 قانوناً، والأصول وفق القوانين العادية أن تجتمع اللجان وتدرس هذه القوانين وترفع تقريرها للهيئة العامة، وفي الهيئة العامة يجتمع المجلس ويصوت. وهناك أصول للتصويت، أولاً يُصوّت على الأبعد مدى إذا قُبل يقّر وإذا لم يقبل يستبعد ويصوت على الأبعد مدى بعد استبعاده، وهلمّ جرّ، إلى أن يقرّ أحد القوانين. لكنّ رئيس المجلس يعتبر أنّ هذا القانون الانتخابي هو مشروع توافق وليس مشروع تصويت بالعدد لأنّه موضوع حساس جداً ويمكن أن يؤدي إلى خلاف وطني وحتى طائفي. لذلك، يتجنب طرحه. لكن وصلنا إلى مرحلة أن مجلس النواب لا يمكن التمديد له لمرة ثالثة. والقواعد العامة تقول إذا كان هناك قانون موجود يغيّر وتجري الانتخابات على أساس القانون الجديد، وإذا لم يغيّر القانون القديم من المفترض أجراء الانتخابات وفقه. المشكلة الجديدة التي طرات أن رئيس الجمهورية يقول إنه لن يوقّع مراسيم دعوة الهيئات الناخبة على أساس قانون الستين، ووزير الداخلية والحكومة التي هي موجودة لتنفذ القانون واجباتها دعوة الهيئات الناخبة قبل 21 شباط.
ماذا يحصل والحال هذه؟
يقول حرب إنه "في حال لم يدع وزير الداخلية هذه الهيئات أو في حال رفض رئيس الجمهورية التوقيع على مرسوم دعوتها نكون قد وصلنا إلى مشكلة. المشكلة أن الانتخابات لا يمكن أن تحصل إذذاك قبل 21 حزيران. بالتالي، تؤجّل الانتخابات حكماً. إلى متى، فهذا السؤال الكبير؟ إن لم نفعل شيئاً من الآن حتى 21 حزيران فهذا يعني أننا ذاهبون إلى الفراغ.
يجزم حرب أنّ "لرئيس الجمهورية صلاحية مطلقة بموضوع المراسيم العادية، أن يوقعها أو لا، وليس هناك طرق مراجعة ضد موقفه هذا، هذه الأصول المتبعة. فإذا رفض رئيس الجمهورية التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، معنى ذلك أننا لا يمكن أن نجري انتخابات قبل 21 حزيران. ما يؤدي إلى انتهاء ولاية المجلس النيابي ولا يكون هناك انتخابات، نقع في الفراغ.. طبعاً يمكن استلحاق هذا الفراغ بالتوافق على قانون جديد قبل 21 حزيران، ويمكن أن يقولوا إنه طالما لم ندعُ الهيئات الناخبة نمدّد تمديداً تقنياً لندعوها من جديد على أساس القانون الجديد، بالإضافة إلى أنّه إذا صدر قانون مختلط أو نسبي يجب شرحه للناس. وهذا يفترض التمديد التقني أيضاً".
وفي حال لم يتوافق على قانون حتى 21 حزيران، وهذا الأرجح برأي حرب، ماذا يحصل؟
يقع الفراغ والرئيس رافض الموافقة على دعوة الهيئات الانتخابية على أساس الستين، فيصبح هناك حكمٌ قائمٌ على رئيس جمهورية وحكومة من دون رقابة مجلس النواب. وطبعاً، هذا يطيح بالنظام البرلماني، ويؤدي إلى حالة انقلابية على الدستور. لأنّه لا يجوز بصورة من الصور أن ينعدم وجود سلطة تشريعية تصدر قوانين وسلطة رقابية تراقب أعمال الحكومة وتحاسبها. إضافة إلى أنّه، خلافاً لما يعتقده البعض، فإنّه إذا انتهت ولاية المجلس النيابي لا تعتبر الحكومة مستقيلة، فهي تعتبر مستقيلة عند بدء ولاية المجلس الجديد. بالتالي، إذا لم يحصل انتخاب فهذا يعني أن الحكومة تمارس كامل صلاحياتها من دون رقابة وهذا مخالف للدستور. لذلك يقول "الشيخ بطرس" إن موقف رئيس الجمهورية المذكور مرحبٌ به إذا كان للضغط على القوى السياسية، لكن إذا "رحنا فيه إلى الآخر فهو يشكّل حالة خطيرة، إذ يهدد السلم الأهلي ويطيح بالنظام الديموقراطي".
الاستفتاء غير دستوري
بالنسبة لمسألة الاستفتاء التي طرحها الرئيس عون، يشير حرب إلى أنّه "لا نصَّ في دستورنا يسمح بالاستفتاء ولا نصَّ في دستورنا يسمح بالعودة مباشرة إلى الشعب لأن نظامنا قائم على مبدأ نظام تتخذ فيه القرارات في المؤسسات الدستورية المنتخبة من الشعب. في حال أردت اجراء استفتاء يجب أن تضيف نصاً على الدستور يسمح باجرائه. لذلك، طرح الاستفتاء فكرة جيدة، لكن كيف ستعمل استفتاءً؟ ما هو القانون الذي يرعى إجراء الاستفتاء؟ هل إرادة الحاكم؟ لا، فاذا أصبحت إرادة الحاكم هي الدستور والقانون نكون قد أصبحنا مثل سوريا والعراق وليبيا أيام القذافي. وهذا ليس وارداً، لا لدى الرئيس ولا لدينا. لذلك، إذا أردنا الاستفتاء يجب أن يجتمع مجلس النواب ليعدل الدستور ويسمح باجرائه. فالتلويح بالاستفتاء الشعبي ليس في محله ومخالف للدستور، ولا يجوز أن نقوم باستفتاء بناء لرأي أي شخص.
ماذا عن مطالبة وزير العدل سليم جريصاتي بإخضاع أجهزة الرقابة لرئاسة الجمهورية؟
- استحدثت هذه الأجهزة عندما أجرى الرئيس شهاب الإصلاحات الإدارية في الستينات، ووضعت هذه الأجهزة بتصرف رئيس الحكومة باعتبار أنّ عليه مراقبة حكومته ومحاسبتها لأنه مسؤول عنها ويُحاسَب على أساسها. نظرية محاسبة الحكومة تنطلق من نظرية أن من تحاسبه لديه القدرة لمعرفة ماذا يحصل في الوزارات عبر تقارير ترفعها أجهزة الرقابة إليه. نظرية الوزير جريصاتي ليست جديدة، ونحن كنا نقول أن اجهزة الرقابة يجب ان تخضع لمجلس النواب لتفيده بمخالفات الوزراء ليستطيع محاسبتهم. وكان هناك نظرية أنه بما أن رئيس الجمهورية يحلف اليمين على المحافظة على الدستور وتطبيق القوانين وهو رئيس كل اللبنانيين وليس جزءاً من لعبة المعارضة والموالاة بعكس رئيس الحكومة، فإلحاق هذه المؤسسات به تجعله على بينة من عمل الوزارات والإدارات، ويخوله هذا الإلحاق القيام مبادرات للمحافظة الدستور وعلى حقوق الناس. لكنّ حرب يخشى من أن يؤدي "طرح هذه النظريات في الظرف الحالي إلى فتح دفاتر قديمة، وبالتالي نشوء صراعات تأخذ طابع التنازع على الصلاحيات بين الطوائف وهذه كارثة".
مع قانون الدائرة الفردية
ليس صحيحاً بالنسبة للنائب حرب أنّ الدائرة الفردية تعزّز الطائفية والمذهبية. "الدائرة الفردية أفضل وأهم الديموقراطيات تعتمده كفرنسا وأميركا وانكلترا. ففي الدائرة الفردية المواطن يعرف من ينتخب، وهو قادر على أن يحاسبه ويشعر أن صوته قادر على أن يؤثر في انتخاب النائب، بعكس الدوائر الكبرى حيث يشعر المواطن أن صوته من جملة أصوات كثيرة جداً وتأثيره في العملية الانتخابية محدود".
ثمّ إنّ قانون الدائرة الفردية "هو الوحيد الذي يؤمن للمسيحيين حق اختيار نوابهم. عندما تصغّر الدائرة تأخد في الاعتبار تركيبة الدائرة الطائفية، إلى درجة أنّك تستطيع أن تخرج من مسألة القيد الطائفي، لأن الفرز يحصل تلقائياً. فمثلاً في البترون هناك أكثر من 80 في المئة من المسيحيين، وبالتأكيد سينتخبون نائبين مسيحيين. وفي جبيل هناك مجموعة من الطائفة الشيعية وأكثرية مسيحية. في الدائرة حيث الأكثرية شيعية هناك قرى مسيحية تؤثر في الانتخاب والعكس صحيح، فجغرافياً هناك انتشار للطوائف، لذلك يبقى هناك تداخل بينها. وبذلك نكون خرجنا من منطق انتخاب كل طائفة نوابها.
ماذا عن التحالفات؟ هل حكماً ستتواجه مع الثنائي المسيحي في البترون؟
- المعركة الانتخابية مفتوحة. وطبيعي أن تحصل بين حلف من حزبين والآخرين الذين ليسوا في الحلف نفسه. لكنّ هناك انطباعاً بأن المطلوب بالنسبة إلى الثنائي ليس معركة لتتمثل الاقليات كما يفهم من المطالبة بالنسبية لتمثيل الأقليات. فمسلكية التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تدّل على أن نيتهما إعدام وجود الأقليات عبر اكتساح المقاعد النيابية. فالنتيجة تأتي مناقضة لشعاراتهما. لذلك، فالمواجهة أمر طبيعي في السياسة، لكن ما ليس طبيعياً أن يوضع قانون الانتخاب على أساس كيف نضمن الإطاحة الكلية بكل من ليس من رأينا. وفي النهاية، هذا لا يؤمن صحة التمثيل وهذا الأهم.
هل من مسعى لتشكيل جبهة معارضة؟
- طبعاً، هناك تواصل بين القوى والشخصيات المستقلة، سواء المسيحية أو المسلمة. نحن لنا وجود ورأي، وما يشكو منه المستقلون المسيحيون يشكو منه مستقلو الطوائف الأخرى. وأتمنى أن نصل إلى قانون يسمح لكل الناس أن تعبّر عن رأيها، ونخرج من عملية احتكار السلطة من قبل أكثريات معينة.
ماذا سيكون خطابك إذا التحالف المسيحي يعد المسحيين بتأمين حقوقهم؟
- خطابي أنّ مصلحة المسيحيين هي في المحافظة على الدولة لا في تدميرها.
وهل الثنائي المسيحي يدّمر الدولة؟
لا، ليس بالضرورة، الأمر يعود إلى مسلكية هذا الثنائي. الاتفاق بين العونيين والقوات اتفاق سياسي على أساس التقاء مصالح. وهناك مشكلات أساسية في البلد هما مختلفان على كيفية حلّها. اتفقا على أن يخوضا الانتخابات بوجه الآخرين. لو حصل هذا الاتفاق على أساس برنامج مشترك لكان يمكن أن انضم إليه حتى بلا دعوة. أمّا ورقة إعلان النيات فهي مثل الطلبات في القداس لا تعبر عن برنامج.
هل هناك تواصل ما مع الدكتور سمير جعجع؟
أنا على تواصل مع رفاقنا وزملائنا النواب في القوات اللبنانية. وطبعاً، تربطني صداقة شخصية بالنائب انطوان زهرا، وهي مستمرة رغم الموقف الذي أخذه برفض خوض الانتخابات بعد التحالف بين التيار والقوات. ليس هناك من تواصل مع الدكتور جعجع في الظرف الحالي، لكنّ التواصل مع القوات مستمر.
ماذا عن التحالفات في المعركة المقبلة؟
لا ينفي حرب ولا يؤكد تحالفه مع النائب الكتائبي سامر سعادة في البترون، يقول: نحن ندرس خياراتنا بالنظر إلى قانون الانتخاب، وأيا يكن القانون ليس لدي مشكلة في البترون. أعرف الأرض والناس وحجم تمثيلي في المنطقة وحتى في لبنان.
يضيف: "أتمنى أن نتوافق على قانون جديد، وأن تجرى الانتخابات في ظروف ممتازة بعيداً من تدخلات السلطة وأجهزة السلطة".
هل لديك خشية من تدخلات أجهزة السلطة بالانتخابات؟
- نعم، لأنّ هناك ناساً في جزء من السلطة كيديون ولديهم ميل إلى الأذية وأنانيون ولا تهمهم المصلحة العامة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها