تسوية فرنسية- سعودية استطاعت اخراج رئيس الحكومة سعد الحريري من السعودية إلى باريس. زيارة في ظروف استثنائية، تبدأ بلقاء رئيس الجمهورية الفرنسي ايمانويل ماكرون السبت، في 18 تشرين الثاني، في قصر الاليزيه، على أن ينتقل بعدها الحريري إلى بيروت "الاثنين أو الثلاثاء المقبلين"، عملاً بنصيحة فرنسية، تهدف إلى الاسراع بحسم مصير استقالته، وفق ما أكدت مصادر في الخارجية الفرنسية لـ"المدن".
وتشير مصادر الاليزيه إلى أن المخرج الفرنسي جاء بسفر وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان إلى السعودية، ووضع اللمسات الأخيرة على اتفاق، أنجز مسبقاً بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وماكرون في اتصال هاتفي مطول الثلاثاء، في 14 تشرين الثاني، أي عقب زيارة وزير الخارجية جبران باسيل إلى باريس. عليه، فإن دور لودريان كان وفق المصدر "لوجستياً" إلى حد ما.
وكما أصبح جلياً، فإن التسوية الفرنسية قضت بسفر الحريري وعائلته إلى باريس، من دون أي تدخل فرنسي بمصير استقالة الحريري، "التي يحددها بكامل حريته وتبعاً لحساباته الشخصية"، وفق المصادر الفرنسية، التي أكدت أن دور باريس لن يتجاوز عملية اخراج الحريري من الرياض، وأن اتصالات على أكثر من مستوى كانت مستمرة بشكل يومي للتنسيق معه طيله فترة بقائه هناك.
لكن، خروج الحريري من السعودية إلى فرنسا لن يمنحه مزيداً من حرية القرار. ويؤكد المصدر عينه أن السعودية وضعت "خريطة طريق" سيكون على الحريري الالتزام بها اعتباراً من مغادرته الرياض وصولاً إلى بيروت. وتبعاً لهذه الخريطة، يتوقع أن يستمر الحريري في استقالته، لأن جذور الأزمة بالنسبة إلى السعودية، أي المواجهة المفتوحة مع حزب الله وإيران، مازالت موجودة وعميقة، و"الحريري لن يكون قادراً على العودة إلى منصبه إلا بقطع هذه الجذور. وهو أمر يبدو بعيد المنال".
ويرتكز الموقف الفرنسي حيال لبنان عموماً على تسخير كل امكانات الخارجية الفرنسية في اعادة تثبيت الاستقرار وتعزيزه حتى اجراء الانتخابات النيابية في أيار 2018 بالحد الادنى. هذه العلاقة الخاصة بلبنان لمسها المتابعون لملف الحريري خلال الأسبوعين الفائتين في الاليزيه، الحريص على ابعاد لبنان عن الانخراط بأزمات المنطقة، وعن أزمة دستورية وتعطل حكومي طويل الأمد، خصوصاً مع استمرار رفض الرئيس ميشال عون استقالة الحريري غير الدستورية بالشكل الذي أتت عليه.
وتشير المصادر إلى أن الدبلوماسية الفرنسية "التي اختلفت في عهد ماكرون عما كانت عليه في السابق بشكل جذري"، وحققت نجاحاً دبلوماسياً بارزاً في قضية الحريري، بقدرتها على اقناع الرياض بخطورة التلويح اللبناني باللجوء إلى مجلس الأمن وتبعات تدويل المسألة على المملكة، قلب أداء السعودية رأساً على عقب في التعاطي مع الدبلوماسية الفرنسية. ففي حين لم يلق ماركرون في زيارته القصيرة إلى الرياض الترحيب اللازم، تلقفت السعودية اتصاله بعد لقائه باسيل وسارت بالتسوية مباشرة. الدبلوماسية الفرنسية أثبتت أيضاً وقوفها في موقع وسط حيال الصراعات الاقليمية القائمة، بالفصل بين المطالب السعودية بادانة اطلاق الصواريخ البالستية اليمنية على الرياض، وفي الوقت نفسه عدم التراجع عن الملف النووي الإيراني.
وتشير المصادر إلى أن الوساطة التي لعبتها باريس في الملف اللبناني قد لا تكون الأخيرة، بل قد تمهد لوساطة أكثر أهمية بين السعودية وايران، مرتكزة على رصيد بات عالياً لدى الطرفين. فباريس تدبرت مخرجاً لائقاً للسعودية من الحرج الدولي أمام قضية الحريري، وهي شريك موثوق في الملف النووي الإيراني. بالتالي، "لن يجد الجانبان طرفاً أكثر قرباً وملاءمة للعب دور الوسيط"، وفق مصادر الاليزيه.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها