السبت 2024/08/31

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

بيع الأسلحة لإسرائيل..بين الشك واليقين

السبت 2024/08/31
بيع الأسلحة لإسرائيل..بين الشك واليقين
تظاهرة مناصرة للفلسطينيين في لندن: "لماذا لا تتوقفون عن تسليح المجزرة؟" (Getty)
increase حجم الخط decrease
قوبلت رسالة استقالة مارك سميث، الموظف في الخارجية البريطانية، بتشكيك كبير. كأن مارك سميث هو "جون سميث"، الشخصية الواهية غير الموجودة التي يُستخدم اسمها فقط لضرب مثال أو لإرشادك إلى الخانة المناسبة لكتابة اسمك. وفي هذه الحالة، كتابة اسمك للتعبير عن سخطك من استمرار بريطانيا بيع إسرائيل أسلحة في خضم الحرب المستمرة منذ قرابة 11 شهراً على قطاع غزة. لكن مارك سميث شخصية حقيقية.

قرر سميث الاستقالة، حيث كان يعمل في دبلن كمقرر أول في قسم التقييم المركزي الذي يحكم شرعية مبيعات الأسلحة البريطانية إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعدما ضاق ذرعًا بقلة الاكتراث الذي لاقاه من المسؤولين حيال بواعث قلق، لفت النظر إليها مرارًا. بدا لمارك سميث جليًا أن الأمثلة واضحة وغير قابلة للدحض على جرائم الحرب وخرق القانون الدولي من قبل إسرائيل في غزة. مارك سميث حسم من وجهة نظره، ألا مبرر لاستمرار بريطانيا في بيع الأسلحة لإسرائيل، فاستقال.

لكن الحكومة، تحتاج إلى أكثر من ذلك لصياغة موقف حاسم، وعلى ما يبدو سيكون أبعد ما يمكن عن حظر شامل، كما يدعو بعض نواب حزب العمال. إنه "اليقين" الذي يبحث عنه المدعي العام البريطاني ريتشارد هيرمر، بشأن ما إذا كانت الأسلحة التي تباع لإسرائيل، وأيّ منها تحديدًا، تستخدم بما يخالف القانون الإنساني الدولي. في هذا المنحى، يبدو الأمر قانونيًا، بيروقراطيًا.

المقاربة سياسية بالنسبة لوزير الخارجية دايفيد لامي، والمعيار هو تفنيد الأسلحة بين ما هو دفاعي، يسمح باستمرار تزويد إسرائيل به من منطلق "حقها في الدفاع عن نفسها"، وبين ما هو هجومي، فهذا يمكن حظره.

لو اتُّخذ هذا الإجراء، والأرجح أنه سيكون مؤقتًا يُرفع بانتهاء الحرب، سيكون مريحًا أكثر بالنسبة لوزير الخارجية، الذي دعا منذ بداية توليه منصبه إلى النظر في مسألة حظر بيع الأسلحة لإسرائيل وارتباط ذلك بانتهاك القانون الإنساني الدولي. وذلك انسجامًا مع اتخاذ الحكومة العمالية موضعها سريعًا منذ أيامها الأولى، في منحى بعيد من ذلك الذي تبنته الحكومة المحافظة السابقة حيال إسرائيل والحرب في غزة، محاولة اتخاذ دور فعال مع الساعين إلى وقف سريع لإطلاق النار وتحرير الرهائن الإسرائيليين، ومتحركة أيضاً تحت وطأة احتمال اعتبار بريطانيا ضالعة بشكل غير مباشر بخرق القوانين الدولية.

الخطوات التي اتخذتها الحكومة البريطانية تبدو قاصرة من وجهة نظر المدافعين عن حقوق الفلسطينيين والداعين إلى محاسبة إسرائيل. لكنها على "خجلها"، ترخي بظلالها على العلاقة بين حكومة كير ستارمر، وحكومة بينامين نتنياهو، وفريق دونالد ترامب الساعي إلى ولاية رئاسية جديدة. أبرز هذه الخطوات، إسقاط حكومة ستارمر الاعتراض الذي قدمته حكومة ريشي سوناك على أن المحكمة الجنائية الدولية لها حيثية قانونية في ما يتعلق بالأفعال التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في خطوة تعتبر قبولًا ضمنيًا لحق المحكمة في طلب الملاحقات القضائية، وآخرها التفكير في الموقف من حظر بيع الأسلحة إلى إسرائيل.

وفي تهديد صريح، حذر مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب سابقًا، روبرت أوبراين، الحكومة البريطانية، من تداعيات قرار محتمل للحكومة بحظر بيع الأسلحة إلى إسرائيل على موقع بريطانيا في مشروع طائرات F-35 المشترك، وعلى مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية البريطانية في السوق الأميركي. مفاد كلام أوبراين، باختصار، أن العلاقات الثنائية ستكون على المحك.

من المحتمل أن يعتمد الأميركيون الديموقراطيون لهجة ألطف بسبب العلاقات التي صاغها وزير الخارجية البريطانية خلال السنوات الماضية قبل توليه منصبه، لكن المرشحة الرئاسية كامالا هاريس واضحة أيضًا بأن مسألة حظر بيع الأسلحة لإسرائيل ليست موضع نقاش، ولا ترى فيها تعارضًا مع موقفها بضرورة وقف إطلاق النار.

تواجه الحكومة معضلة تلمس "اليقين" لاتخاذ قرار، ظاهره قانوني وباطنه سياسي واقتصادي، في ظل ظروف دقيقة تواجهها داخليًا من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.

غير أن الحسم بالنسبة إلى أي منحاز إلى حقوق الفلسطينيين، قائم على أن ما ترتكبه إسرائيل جريمة تخالف بها كل الأعراف والمواثيق الدولية، لا سيما في ما يخص حماية المدنيين والمسعفين والصحافيين... واليقين المبني على تفصيل وتصنيف للأسلحة ونواحي استخدامها، يهم المترافعون في المحاكم. فكم من سلاح أو معدات يفترض أنها دفاعية، تستخدم في سياق هجومي يصيب المدنيين؟

في هذا السياق، تقول منظمة "العمل ضد العنف المسلح"- AOAV، إنه "يجب تطبيق المبدأ الاحترازي: إذا كان هناك أي شك معقول في إمكانية استخدام الأسلحة المصدرة لارتكاب أو تسهيل انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي، فيجب على المملكة المتحدة تعليق جميع مبيعات الأسلحة على الفور".

وفق هذا المنطق، فإن الإجابة على حظر بيع الأسلحة إلى إسرائيل لا يجب أن تبنى على اليقين كما تسعى إليه الحكومة البريطانية، بل على الشك.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها