يبدو ان أول المؤشرات الايجابية لزيارة امير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الى الولايات المتحدة الأمريكية والقمة التي عقدها مع الرئيس جو بايدن، في ما خص الملف الإيراني الذي طرح على طاولة المباحثات، بدأت بالظهور، في القرار الذي أصدرته الإدارة الامريكية والذي سمح للدول التي تمتلك التكنولوجيا النووية باستئناف تعاونها مع ايران لتطوير برنامجها النووي في اطار الانشطة السلمية، وهو تعاون نص عليه اتفاق عام 2015، الا ان الرئيس السابق دونالد ترامب وبعد قرار انسحابه من هذا الاتفاق، اعلن عن عقوبات امريكية على اي دولة تقدم على هذه الخطوة.
القيادة القطرية كانت شديدة الوضوح في تصديها لمهمة تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتخاصمين، وقد تكون قادرة على ان تخرق بمعول الدبلوماسية ما تبقى من جليد بين طهران وواشنطن، خاصة وان ما يساعد على بلورة هذا الهدف انه يأتي مواكبا للمرحلة الدقيقة التي وصلت اليها مفاوضات فيينا وانتقالها الى مستوى القرار السياسي الذي من المفترض ان تتخذه واشنطن وطهران والذي قد يحدد مصير المفاوضات اما فشلاً او نجاحاً، خاصة وان القرار السياسي وما يعنيه من حوار مباشر بين الطرفين قد يتجاوز حدود الاتفاق النووي، يعتبر اكثر صعوبة من اي قرار يتعلق بالجانب التقني ويفرض دفع اثمان سياسية لا بد منها. وهي اثمان قد تكون اقسى على النظام الايراني لناحية الحرج العقائدي الذي يشكله مثل هذا القرار.
الدبلوماسية النشطة بين طهران والدوحة والزيارات المتبادلة لوزيري خارجية ايران حسين أمير عبداللهيان وقطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن، وكذلك المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية في الازمة الافغانية حسن كاظمي قمي ، توحي بان الادارة الايرانية تراهن على دور قطري في تذليل العقبات المتبقية في مفاوضات فيينا، والتمهيد الجدي الذي يسهل ويساعد القيادة الايرانية على اتخاذ قرار بالخطوة الحاسمة والانتقال الى الحوار المباشر مع واشنطن، بما يساعد على خروج الطرفين وحتى العواصم الاوروبية المشاركة في فيينا من مستنقع المراوحة والشروط المتبادلة.
القناعة الايرانية بدور قطر في هذه المرحلة، لا يعني انها وضعت قنوات التواصل التاريخية خارج حساباتها، خاصة الدور العماني الذي مازال يلعب دورا محوريا في بعض الملفات الاقليمية، خاصة في الازمة اليمنية. الا ان الدور المحوري للدوحة الذي تفرضه علاقتها المتقدمة مع الادارة الامريكية والهامش التأثير الذي يمكن ان تمارسه في العديد من الملفات المتداخلة بين ايران وواشنطن من جهة، وبينها وبين العديد من دول المنطقة من جهة اخرى، جعل القيادة الايرانية تضع رهاناتها على هذا الدور في تفكيك عقد بعض الملفات الاقليمية.
واذا ما كان العنوان الذي طرح في القمة الثنائية بين الرئيس الامريكي والامير القطري تركز حول الملف النووي ومفاوضات فيينا وضرورة اعادة احياء الاتفاق بين ايران والسداسية الدولية، الا ان ملفات اخرى تفرض نفسها على هذا المساعي القطرية، والتي تشكل حاجة امريكية بقدر ما تشكل حاجة ايرانية، خاصة في ملف العلاقات الايرانية مع دول مجلس التعاون الخليجي والتي اتخذت في الايام الاخيرة منحى تصاعدياً، خاصة ما يتعلق بتداعيات استهداف دولة الامارات العربية المتحدة من قبل جماعة انصار الله الحوثية في اليمن، وكذلك دخول بعض الفصائل العراقية على خط استهداف الامارات من بوابة اتهامها بلعب دور في تركيب تحالفات على حساب مصالح بعض الفصائل والاحزاب المحسوبة على ايران.
وعلى ما يبدو فان طهران تراهن على الدوحة للعب دور على خط المساعدة في اعادة ترميم العلاقة مع المملكة العربية السعودية، في ظل توقعات بعدم امكانية عقد الجولة الخامسة من الحوار الذي تستضيفه العاصمة العراقية بغداد، على الرغم من تأكيد طهران انها متمسكة بعقد هذه الجولة، الا ان الغموض في المشهد السياسي والارباك الحاصل في حسم الاستحقاقات الدستورية المترتبة على الانتخابات البرلمانية، ودخول عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي اختيار وتكليف رئيس جديد للوزراء في دائرة التأجيل بعد التطورات الاخيرة، دفع طهران لتعليق آمالها على امكانية ان تلعب الدوحة دوراً على هذا المسار بانتظار ما ستؤول اليه الامور في بغداد، خاصة وان طهران، لا ترغب في تعليق هذا الحوار لما له من تأثير قد يكون سلبيا على نتائج مفاوضات فيينا، وحتى على الجهود المبذولة للحل في اكثر من ساحة تشكل دائرة تماس واشتباك بينها وبين الرياض، من اليمن مرورا بالعراق وصولا الى لبنان.
ومن التداعيات المتوقعة بعد الدخول في المستوى السياسي للمفاوضات، والذي يشكل نوعا من الهاجس الايراني، ما يتعلق بالضغوط التي ستمارس على إيران في الساحة السورية، خصوصا وان اي تسوية سياسية لهذه الازمة، تعني ضرورة التوصل الى حلول لمعضلة الوجود العسكري والامني الايراني في هذا البلد. من هنا فان طهران تحاول الخروج من دائرة الطرف الذي يقع عليه العبء الاكبر في تقديم التنازلات، خاصة وان التحالف التكتيكي بينها وبين روسيا لم يتطور الى المستوى الاستراتيجي، وبالتالي فان خشيتها من ان تلجأ موسكو الى التضحية بها لتعزيز دورها ونفوذها وحصتها على طاولة التفاوض مقابل واشنطن. وبالتالي فان طهران تراهن على دور قطري في تقريب وجهات النظر بين طهران والحكومة التركية حول مستقبل الحل في الازمة السورية قبل انعقاد اجتماع رؤساء دول "صيغة استانة" الذي قد تستضيفه طهران في الاسابيع المقبلة.
الجليد الامريكي الايراني والمعول القطري
حسن فحص
يبدو ان أول المؤشرات الايجابية لزيارة امير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الى الولايات المتحدة الأمريكية والقمة التي عقدها مع الرئيس جو بايدن، في ما خص الملف الإيراني الذي طرح على طاولة المباحثات، بدأت بالظهور، في القرار الذي أصدرته الإدارة الامريكية والذي سمح للدول التي تمتلك التكنولوجيا النووية باستئناف تعاونها مع ايران لتطوير برنامجها النووي في اطار الانشطة السلمية، وهو تعاون نص عليه اتفاق عام 2015، الا ان الرئيس السابق دونالد ترامب وبعد قرار انسحابه من هذا الاتفاق، اعلن عن عقوبات امريكية على اي دولة تقدم على هذه الخطوة.
القيادة القطرية كانت شديدة الوضوح في تصديها لمهمة تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتخاصمين، وقد تكون قادرة على ان تخرق بمعول الدبلوماسية ما تبقى من جليد بين طهران وواشنطن، خاصة وان ما يساعد على بلورة هذا الهدف انه يأتي مواكبا للمرحلة الدقيقة التي وصلت اليها مفاوضات فيينا وانتقالها الى مستوى القرار السياسي الذي من المفترض ان تتخذه واشنطن وطهران والذي قد يحدد مصير المفاوضات اما فشلاً او نجاحاً، خاصة وان القرار السياسي وما يعنيه من حوار مباشر بين الطرفين قد يتجاوز حدود الاتفاق النووي، يعتبر اكثر صعوبة من اي قرار يتعلق بالجانب التقني ويفرض دفع اثمان سياسية لا بد منها. وهي اثمان قد تكون اقسى على النظام الايراني لناحية الحرج العقائدي الذي يشكله مثل هذا القرار.
الدبلوماسية النشطة بين طهران والدوحة والزيارات المتبادلة لوزيري خارجية ايران حسين أمير عبداللهيان وقطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن، وكذلك المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية في الازمة الافغانية حسن كاظمي قمي ، توحي بان الادارة الايرانية تراهن على دور قطري في تذليل العقبات المتبقية في مفاوضات فيينا، والتمهيد الجدي الذي يسهل ويساعد القيادة الايرانية على اتخاذ قرار بالخطوة الحاسمة والانتقال الى الحوار المباشر مع واشنطن، بما يساعد على خروج الطرفين وحتى العواصم الاوروبية المشاركة في فيينا من مستنقع المراوحة والشروط المتبادلة.
القناعة الايرانية بدور قطر في هذه المرحلة، لا يعني انها وضعت قنوات التواصل التاريخية خارج حساباتها، خاصة الدور العماني الذي مازال يلعب دورا محوريا في بعض الملفات الاقليمية، خاصة في الازمة اليمنية. الا ان الدور المحوري للدوحة الذي تفرضه علاقتها المتقدمة مع الادارة الامريكية والهامش التأثير الذي يمكن ان تمارسه في العديد من الملفات المتداخلة بين ايران وواشنطن من جهة، وبينها وبين العديد من دول المنطقة من جهة اخرى، جعل القيادة الايرانية تضع رهاناتها على هذا الدور في تفكيك عقد بعض الملفات الاقليمية.
واذا ما كان العنوان الذي طرح في القمة الثنائية بين الرئيس الامريكي والامير القطري تركز حول الملف النووي ومفاوضات فيينا وضرورة اعادة احياء الاتفاق بين ايران والسداسية الدولية، الا ان ملفات اخرى تفرض نفسها على هذا المساعي القطرية، والتي تشكل حاجة امريكية بقدر ما تشكل حاجة ايرانية، خاصة في ملف العلاقات الايرانية مع دول مجلس التعاون الخليجي والتي اتخذت في الايام الاخيرة منحى تصاعدياً، خاصة ما يتعلق بتداعيات استهداف دولة الامارات العربية المتحدة من قبل جماعة انصار الله الحوثية في اليمن، وكذلك دخول بعض الفصائل العراقية على خط استهداف الامارات من بوابة اتهامها بلعب دور في تركيب تحالفات على حساب مصالح بعض الفصائل والاحزاب المحسوبة على ايران.
وعلى ما يبدو فان طهران تراهن على الدوحة للعب دور على خط المساعدة في اعادة ترميم العلاقة مع المملكة العربية السعودية، في ظل توقعات بعدم امكانية عقد الجولة الخامسة من الحوار الذي تستضيفه العاصمة العراقية بغداد، على الرغم من تأكيد طهران انها متمسكة بعقد هذه الجولة، الا ان الغموض في المشهد السياسي والارباك الحاصل في حسم الاستحقاقات الدستورية المترتبة على الانتخابات البرلمانية، ودخول عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي اختيار وتكليف رئيس جديد للوزراء في دائرة التأجيل بعد التطورات الاخيرة، دفع طهران لتعليق آمالها على امكانية ان تلعب الدوحة دوراً على هذا المسار بانتظار ما ستؤول اليه الامور في بغداد، خاصة وان طهران، لا ترغب في تعليق هذا الحوار لما له من تأثير قد يكون سلبيا على نتائج مفاوضات فيينا، وحتى على الجهود المبذولة للحل في اكثر من ساحة تشكل دائرة تماس واشتباك بينها وبين الرياض، من اليمن مرورا بالعراق وصولا الى لبنان.
ومن التداعيات المتوقعة بعد الدخول في المستوى السياسي للمفاوضات، والذي يشكل نوعا من الهاجس الايراني، ما يتعلق بالضغوط التي ستمارس على إيران في الساحة السورية، خصوصا وان اي تسوية سياسية لهذه الازمة، تعني ضرورة التوصل الى حلول لمعضلة الوجود العسكري والامني الايراني في هذا البلد. من هنا فان طهران تحاول الخروج من دائرة الطرف الذي يقع عليه العبء الاكبر في تقديم التنازلات، خاصة وان التحالف التكتيكي بينها وبين روسيا لم يتطور الى المستوى الاستراتيجي، وبالتالي فان خشيتها من ان تلجأ موسكو الى التضحية بها لتعزيز دورها ونفوذها وحصتها على طاولة التفاوض مقابل واشنطن. وبالتالي فان طهران تراهن على دور قطري في تقريب وجهات النظر بين طهران والحكومة التركية حول مستقبل الحل في الازمة السورية قبل انعقاد اجتماع رؤساء دول "صيغة استانة" الذي قد تستضيفه طهران في الاسابيع المقبلة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها