واختارت الشابة المحجبة فئة الموسيقى البديلة عندما كانت في الحادية والعشرين، لتخوض غمار تجربة فنية غير مألوفة على الساحة العربية التي لم تشهد نجاحاً يذكر للفنانات المحجبات. وقالت شاكر (26 عاماً) "فرانس برس": "أتمنى أني مهدت الطريق لأخريات، إنه لأمر جميل جداً أن تعرفي أنك غيرت فكرة أو أعطيت دفعاً إلى فتاة لديها كثير من الأحلام وغير قادرة على تحقيقها لأنها لم تر يوماً فتاة أخرى فعلت الأمر نفسه".
وأثناء تدربها في الاستوديو، راحت شاكر التي ارتدت حجاباً رمادياً، تعزف على البيانو وتؤدي أغاني من تأليفها وتلحينها. وروت كيف ألهمتها المغنية الأردنية المحجبة نداء شرارة، التي فازت بلقب "أحلى صوت" في النسخة العربية من برنامج "ذا فويس" العام 2015. وأكدت أن ما أذهلها آنذاك هو "ثقتها بنفسها. وقلت في نفسي أنا أيضاً بإمكاني فعل ذلك".
وولد حلم غالية بالغناء من رحم منزل جعلها تعشق الموسيقى. إذ نشأت غالية في إمارة العين بدولة الإمارات، وكان والدها يستمع كثيراً إلى أم كلثوم وفيروز، فيما كانت والدتها تفضل الموسيقى الغربية على غرار إلفيس بريسلي. وأوضحت أن "هذا الخليط في البيت كان دائماً أمراً ثرياً. كأنني تشبعت بالموسيقى من الغرب ومن الشرق".
ونتيجة تمضية وقت طويل منذ صغرها لاكتشاف آلات موسيقية كان يجلبها لها والدها بدلاً من الألعاب، تعلمت غالية بنفسها العزف على القيثارة والبيانو والدرامز والدربوكة. وأكدت أنها تستخدم الآلات الأربع اليوم، لكنها أقرت بأن الدربوكة هي "الأقرب إلى قلبي لأنني كثيراً ما كنت أعزفها مع والدي الذي يحبها كثيراً وهي أساس الإيقاع الشرقي".
وعندما أنهت غالية دراساتها في الإعلام، لم ترغب في البحث عن وظيفة كسائر زملائها، إنما أصدرت العام 2018 أول أغنية لها باللغة الإنجليزية وكانت من تأليفها وتلحينها. وسرعان ما توالت طلبات بثها من جانب إذاعات دبي. لكنها راهناً تغني غالباً باللغة العربية، في حين تشهد الساحة الفنية العربية بروز مواهب شابة تقدم أنغاماً مستجدة تشمل مزيجاً من أنماط الـ"ار اند بي" والإلكترو-بوب والهيب هوب والجاز.
ولم يشكل الحجاب يوماً عقبة في مسيرتها الفنية. وقالت شاكر: "ليست مسألة حجاب أو لا، هي مسألة عادات وتقاليد ومعتقدات. ليس الأمر متعلقاً بما أرتديه، فالموضوع داخلي، إما أفعله أو لا"، علماً أن مسألة غناء السيدات كانت دائماً موضع جدل في المجتمعات الإسلامية المحافظة، غير أن التاريخ الإسلامي شهد ظهور مغنيات كثيرات.
ولا يحرّم النص القرآني الغناء والموسيقى عموماً بما يشمل النساء المحجبات منهن وغير المحجبات. لكن هناك آراء مغايرة لدى علماء دين تحرّم الغناء والموسيقى، فيما يبيحه آخرون شرط أن يكون ملتزماً ولا يحمل معاني مبتذلة.
ولفتت غالية إلى أن عائلتها الصغيرة دعمتها منذ بداية مسيرتها لكن والدتها كانت "تخاف علي، إذ ترى المجال الفني متعباً ومؤذياً". أما بالنسبة للعائلة الكبيرة في سوريا فكان لديها "استغراب كبير في البداية لكنه نابع أيضاً من الخوف من المجال أو من ردّ فعل" الناس على كونها محجبة، بحسب قولها.
وقالت شاكر: "ليس لدي أي شيء أرغب بأن أفعله ولم أفعله لأنني محجبة". وبعيداً من التأليف والتلحين والغناء والتوزيع الموسيقي، فإن غالية راكبة دراجة نارية محترفة تذهب في نزهات جماعية في دبي برفقة نحو 75 امرأة أخرى، "كثيرات منهن محجبات".
وأكدت أنها تتلقى "كثيراً من التعليقات السلبية في مواقع التواصل ومن العائلة ومن الأصدقاء"، مشيرة إلى أنها "تزعجني بطبيعة الحال لكني أحاول أن أتذكر التعليقات الإيجابية ومدى حب الناس لموسيقاي". وتشارك شاكر، مع مئات آلاف المتابعين في شبكات التواصل، بعضاً من يومياتها وتدريباتها وكواليس حفلاتها التي ازدادت وتيرتها مؤخراً في الدول العربية.
وحصدت واحدة من أولى أغانيها بعنوان "عبالي" التي صدرت العام 2019، 34 مليون مشاهدة في "يوتيوب"، فيما حصلت "إلك وبس" التي صدرت العام 2022، على 18 مليون مشاهدة. وفي عرض لها في بيروت الشهر الماضي، سارت غالية بين الجمهور وهي تؤدي إحدى أغانيها وعانقت بعضاً من الحاضرين الذين راحوا يلتقطون صوراً معها.
وإضافة إلى التأليف والغناء باللغتين العربية والإنجليزية، تغني شاكر أحياناً بالتركية والأرمنية والفارسية، وربما يساعدها ذلك في تحقيق حلمها بالوصول إلى العالمية. وقالت: "يهمني جداً أن تكون موسيقاي عالية في أوروبا، في أميركا، في أستراليا، في كل العالم، ربما أيضاً في أميركا اللاتينية"، مضيفة أنها تطمح إلى "التعاون مع كثير من الفنانين من بلاد مختلفة" لأنه "حان الوقت لأن يعرف العالم الغربي مدى جمال موسيقانا".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها