وخلال ملتقى الاستثمار الريادي الثالث "فرصة" الذي ينظمه "اتحاد طلبة سوريا" التابع لحزب "البعث" الحاكم، تحدث الخطيب عن ثورة الاتصالات والإنترنت التي يعيشها العالم حالياً. وأشار إلى كثير من الدول التي تعتمد على صناعة المعلومات والتكنولوجيا كمصدر رئيسي للناتج الإجمالي فيها، متحدثاً عما سمّاه "استراتيجية التحول الرقمي" بحلول العام 2030، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية أوضحت أن المشروع المقترح يمتد على مساحة 200 ألف متر مربع، وتم تزويده "ببنية تحتية قوية تشمل شبكات طرق رئيسية وفرعية ومواقف للسيارات، بالإضافة إلى تجهيزات كهربائية بمركزي تحويل تبلغ استطاعة كل منهما 1000 كيلو فولط أمبير، ووحدات نفاذ ضوئية".
وقال الخطيب أن المدينة التكنولوجية في سوريا ستكون جاهزة خلال 3 سنوات، و"ستكون مجهزة بالبنية التحتية الكاملة لجميع المصدّرين والمصنّعين"، علماً أن هذه الوعود تذكّر بالوعود التي أطلقها الخطيب شخصياً العام 2018 بإطلاق "أول قمر اصطناعي سوري" لأن "سوريا تستحق أن تكون ممثلة في أبحاث الفضاء"، وهو ما لم يتحقق بالطبع.
ويعمل النظام على تصدير هذه النوعية من الأوهام بشكل ممنهج في كل مناحي الحياة، لمخاطبة مواطنيه وتصدير صورة عن السلطة بأنها جزء من العالم الأوسع بعكس الانغلاق الذي تمثله وتحكم به. ولهذا السبب يردد مسؤولو النظام دائماً مقارنات بين سوريا والدول العربية والأجنبية، للقول أن سوريا ليست مكاناً سيئاً مثلما يعرف السوريون جيداً، بل تتواجد فيها "سلبيات يتم تجاوزها" مثل أي مكان آخر. ولهذا يربط الوزير الخطيب بين المشروع الجديد وبين المشاريع الذكية المماثلة في دول الخليج بالقول أن "كلاً من دبي والسعودية أحدثتا مدناً تكنولوجية" وأن "سوريا ليست بعيدة من ذلك".
ولا يمكن بالطبع الحديث عن تطور تقني من دون توافر البنية التحتية اللازمة لذلك أولاً، في بلد يعيش أكثر من 90% من سكانه خط الفقر بحسب الأمم المتحدة، ويعاني أكثر من 60% من انعدام الأمن الغذائي، إلى جانب غياب الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء التي تنقطع لأكثر من 20 ساعة يومياً. كما لا يمكن حصول مثل ذلك التطور من دون تغيير في العقلية الخشبية التي تحلم بعالم يشابه عالم الثمانينيات عندما كان التحكم بالمعلومات أسهل مما هو عليه في عصر الإنترنت ومواقع التواصل، مع فرض النظام السوري قيوداً واسعة على الاتصالات سواء هاتفياً أو عبر الإنترنت في السنوات القليلة الماضية.
ولفترة طويلة عانى النظام من الإنترنت وبدا لسنوات أنه لا يعرف كيف يتعامل مع الثورة التقنية التي حرمته أحد أهم أسلحته وهي التحكم في المعلومات والضخ الموجه والرقابة المسبقة. لكنه في السنوات الأخيرة بات يسيطر على الإنترنت في البلاد، بداية من تحويل خدمة الإنترنت السيئة أصلاً إلى نظام الباقات باهظ الثمن العام 2020 وفرض عقبات تقنية على تصفح المواقع غير المرغوب فيها، وصولاً إلى الرقابة والاعتقالات التعسفية بموجب قوانين "الجريمة الإلكترونية".
ومثلما يتحدث الرئيس السوري عن فكرة الإصلاح الإداري منذ خطابه الأول أمام مجلس الشعب العام 2000 من دون نتيجة تذكر حتى اليوم، يتحدث وزراء سوريون عن فكرة التطوير الرقمي منذ سنوات، خصوصاً مشروع التحول الرقمي للخدمات الحكومية. ومنذ العام 2023 تم نقل مجموعة من الخدمات التقليدية الورقية إلى صيغة رقمية، خصوصاً ما يخص المكاتب القنصلية والمعاملات الخاصة بالسفارات والحصول على جواز للسفر، إضافة إلى تطبيقات خاصة بالمصارف، عانت كلها من انقطاعات في الخدمة ومشاكل تقنية، لطالما أثارت سخرية الإعلام الموالي نفسه.
وإن كانت هذه المصطلحات مهمة نظرياً من أجل تطوير البلاد، إلا أن حضورها في سوريا يبقى مشوهاً ومكرساً لدوائر الفساد الحاكمة لا أكثر. والتحول الرقمي مثلاً يحضر في حياة السوريين يومياً عبر شروع "تكامل" الخاص بـ"البطاقة الذكية" وهو مشروع رقمي يشكل تحديثاً لنظام البونات المذل الذي كان متبعاً في الثمانينيات والتسعينيات من أجل توزيع المواد المدعومة من "الدولة السورية" على المواطنين. وهو مشروع مرتبط بأسماء الأسد، زوجة الرئيس بشار الأسد، شخصياً، عبر مهند دباغ، ابن خالة أسماء، وشقيقها فراس الأخرس اللذين يمتلكان شركة "تكامل".
أما تطوير الاتصالات مثلاً فيحضر عبر مشاريع خاصة بالعائلة الحاكمة أيضاً، مثل مشروع "إيماتيل" الذي أطلقته أسماء الأسد لتوزيع الهواتف النقالة، أو بحلفاء سوريا مثل إيران التي تقول تقارير ذات صلة أنها صاحبة شركة "وفا تيليكوم"، المشغل الثالث للخليوي في سوريا الذي يحتكر تشغيل أول شبكة "5G" في البلاد.
وحتى مع التسليم جدلاً بأن الدولة السورية جادة في هذا النوع من المشاريع، فإن الانهيار الاقتصادي وتدهور البنية التحتية، يشكلان عاملَين أساسيَين يحدان من قدرة دمشق على تنفيذ هذه النوعية من المشاريع التي يشكل انهيارها وتوقفها لاحقاً، مجرد إضافة للبروباغندا الرسمية التي تقي بمشاكل البلاد كلها على المؤامرة الكونية. ويمكن التفكير في تصريحات مستقبلية من مسؤولي وزارة التقانة يتحدثون فيها مثلاً عن أن العقوبات المفروضة على سوريا هي السبب وراء التأخر في إطلاق المدن الذكية. وهو أمر حضر في عشرات المشاريع التي أطلقها النظام السوري ولم ينجح في إكمال تنفيذها.
وعلى عكس دبي والسعودية، اللتين يقارن النظام السوري نفسه بهما، لا تمتلك دمشق اقتصاداً مزدهراً ولا استقراراً سياسياً يتيحان لها الاستثمار في مدن تكنولوجية. فعلى أرض الواقع، انخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء إلى نحو 14 ألف ليرة سورية بحسب وسائل إعلام محلية. وبحسب تقرير لـ"البنك الدولي" في تشرين الأول/أكتوبر 2022، انكمش إجمالي الناتج المحلي في سوريا بأكثر من النصف بين 2010 و2020، ودفع الانخفاض الكبير في نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي البنك الدولي إلى إعادة تصنيف سوريا كبلد منخفض الدخل منذ العام 2018.
كما أن دول الخليج، بدأت التوجه نحو التطوير الرقمي في وقت مبكر من الألفية، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، عبر ضخ استثمارات ضخمة مع الانفتاح اقتصادياً وثقافياً على العالم. وللمقارنة، بدأت قطر مثلاً، استثمار الفضاء الرقمي باكراً في عملية الحكومة الرقمية، حيث بدأ العمل في هذا الإطار العام 2003. وفي 2007 تجاوز عدد المعاملات الالكترونية المليون. وفي العام 2022 حصلت قطر على التصنيف الأعلى "A" في مؤشر نضج الحكومة الرقمية الصادر عن مجموعة البنك الدولي للعام 2022، بمستوى نضج بلغت نسبته 87.4%.
وبالعكس، يمكن القول أن عداء النظام السوري للإنترنت قديم، فرغم أن الإنترنت دخل البلاد في أواخر التسعينيات، إلا أن الوصول إليه كان مقتصراً على الهيئات الحكومية، وحتى العام 1999 لم يكن يسمح للمواطنين السوريين الاشتراك بالإنترنت، وهو ما ذكرته منظمة "هيومان رايتس ووتش" حينها في تقرير خاص بالإنترنت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتقدر وزارة الاتصالات السورية عدد مستخدمي الإنترنت في سوريا بنحو من 8 ملايين مستخدم فقط من خلال بوابات "ADSL" ولا يشمل هذا الرقم مستخدمي الإنترنت عن طريق الخطوط الخليوية باهظة الكلفة.
إلى ذلك، يعاني الإنترنت في سوريا، ضعفاً ملحوظاً منذ بداية تشغيل المخدمات، ويضطر المستخدمون للانتظار فترات طويلة لتحميل مقطع فيديو صغير مثلاً. ويعزو مسؤولو النظام سوء الخدمة في البلاد، أحياناً لقصص خيالية، كأسماك القرش في البحر المتوسط، التي تسبب انقطاعات المستمرة في الخدمة. ويعود ضعف الانترنت فعلياً لأسباب تقنية متعلقة بسوء البنية التحتية الخاصة بالشبكة، وأخرى سياسية عندما يرى النظام حاجة إلى خنق المساحة الضئيلة للتعبير التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي.
وتبدأ سرعة خطوط الإنترنت في سوريا من رقم محرج، هو 512 ك بت/ثا، وصولاً إلى 24 ميغا بت/ثا. لكن أقصى سرعة فعلية متوافرة حالياً في سوريا تقف عند حاجز 18 ميغا بت/ثا، حسب مواقع متخصصة في مراقبة الإنترنت. لكن متوسط سرعة الإنترنت في المجمل يبلغ 768 ك بت/ثا وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ 4.6 ميغا بت/ثا، كما لا تتوافر خدمات الإنترنت في كافة المناطق السورية، وهو أمر لا علاقة له بالثورة، أو الحرب المستمرة، بل هي خاصية قديمة. وبحسب تصريحات عضو مجلس إدارة "الشركة السورية للاتصالات" زياد عربش، لوسائل إعلام رسمية العام 2019، يتقاسم كل 5 مشتركين بالإنترنت بوابة "ADSL" واحدة.
وتشير معطيات وزارة الاتصالات إلى أن تطبيق "واتسآب" وموقع "فايسبوك" هما الأكثر استخداماً لتبادل المعلومات في سوريا، مقارنة مع التطبيقات الأخرى مثل "يوتيوب" و"تويتر"، كما يكشف تحليل الحزمة الدولية لمستخدمي الإنترنت أن 70% من المستخدمين يعتمدون على تطبيقات التواصل الاجتماعي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها