الإثنين 2024/11/18

آخر تحديث: 13:53 (بيروت)

ترامب رئيساً: النازيون الجدد يجولون في شوارع أميركا

الإثنين 2024/11/18
ترامب رئيساً: النازيون الجدد يجولون في شوارع أميركا
النازيون الجدد في أوهايو.. هاجموا الملونين بأفظع العبارات
increase حجم الخط decrease
في العام 2017 كان مشهد مظاهرة لأنصار اليمين المتطرف في  مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا الأميركية، لافتاً لتزامنه مع الأشهر الأولى لوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد حملة انتخابية قائمة على الانقسام، واليوم يتكرر المشهد بشكل أفظع ربما، في مدينة كولومبوس، عاصمة ولاية أوهايو، التي خرجت فيها مسيرة للنازيين الجدد، رفعوا الشعارات النازية، وهاجموا المدنيين الملونين بأفظع العبارات العنصرية، وغطوا وجوههم بأقنعة كي لا يعرفهم أحد.

وبين التاريخين يشكل وجود ترامب على قمة هرم السياسة الأميركية عاملاً مشتركاً، حيث عاد المرشح الجمهوري إلى البيت الأبيض بعد فوزه بانتخابات 5 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بعد حملة انتخابية أسوأ من حملة 2016، حيث كرر الأكاذيب والمعلومات العنصرية بحق المهاجرين واللاجئين والملونين الذين لم يتهمهم بالاغتصاب والجريمة كما كان الحال قبل سنوات، بل قال حرفياً أنهم يسممون الدم الأميركي النقي ويأكلون الحيوانات الأليفة للسكان، وغيرها من الشعارات والأخبار الكاذبة التي جعلت المراقبين يقارنون بين خطابه الحالي وخطاب ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي.


وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت في مواقع التواصل ووسائل الإعلام الأميركية، حوالي عشرة أشخاص يرتدون سراويل سوداء وقمصاناً وأغطية رأس، بالإضافة إلى أقنعة حمراء تغطي أفواههم، وهم يسيرون في الشارع. وكان ثلاثة منهم يحملون أعلاماً سوداء عليها رموز الصليب المعقوف باللون الأحمر، ولم تتضح على الفور هويتهم.

وبعد ساعات من الحادثة، أصدر عمدة المدينة أندرو غينثر بياناً قال فيه أن المدينة ترفض هذا "العرض الجبان" وتؤكد وقوفها ضد "الكراهية والتعصب"، مضيفاً عبر "إكس" "لن نسمح لأي من جيراننا بأن يتم تخويفه أو تهديده أو إيذاؤه بسبب هويتهم أو طريقة عبادتهم أو من يحبون"، كما صرح المدعي العام زاك كلاين، في بيان منفصل بأن "المشاركين في مسيرة النازيين الجدد يجب أن يأخذوا أعلامهم والأقنعة التي يختبئون خلفها ويرحلوا، ولا يعودوا أبداً. كراهيتكم غير مرحب بها في مدينتنا". وأضاف: "هذا ليس من نحن، ولن نتسامح أو نطبّع مع هذه الإيديولوجيا البغيضة بأي شكل من الأشكال".

وقالت "رابطة مكافحة التشهير" أن الحدث في كولومبوس يتماشى مع نمط حديث من فعاليات  تفوق العرق الأبيض، حيث وقعت مئات الحوادث المماثلة في أنحاء البلاد خلال الأشهر الـ18 الماضية، حسبما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز". وذكر نائب رئيس مركز التطرف في الرابطة أورين سيغال، أن هذه المسيرات عادة ما تكون صغيرة وغير مُعلن عنها مسبقاً لتجنب مواجهات مع المتظاهرين المضادين، وتُصمم خصيصاً لتنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح سيغال: "في نهاية المطاف، يريدون خلق الخوف والقلق في المجتمعات والحصول على لقطات ترويجية"، مضيفاً أن مجموعة تفوق عرقي جديدة تُدعى "نادي الكراهية" ومقرها سانت لويس أعلنت مسؤوليتها عن المسيرة في كولومبوس، وربما استُلهمت من تنافس مع مجموعة كراهية مقرها أوهايو.

رغم ذلك، قالت شرطة المدينة أنه لم يتم تنفيذ أي اعتقالات، رغم أن العديد من الأفراد تم احتجازهم ثم إطلاق سراحهم لاحقاً، مع الإشارة إلى أن مشهد النازيين الجدد بات متكرراً في الولاية خصوصاً بعدما صدّر ترامب ادعاءات كاذبة عن أن المهاجرين يأكلون الحيوانات الأليفة للسكان في مدينة سبرينغفيلد التي تبعد نحو 45 دقيقة عن العاصمة كولومبوس، حسبما نقلت وسائل إعلام أميركية.

وإن كان المشهد الأكثر إثارة للاهتمام العام 2017 هو تحية أنصار اليمين المتطرف في الشوارع الأميركية للرئيس السوري بشار الأسد، ودعوتهم له لإلقاء مزيد من البراميل المتفجرة الـ"Cool"، فإنه اليوم يخلو من تلك المقاربات التي كانت تشير إلى نوعية العالم الذي يحلم به المتطرفون ويرفضون فيه التعددية والحياة المشتركة، ويصنفون به البشر بناء على لون بشرتهم وخلفياتهم العرقية والدينية والثقافية.


بالعكس، يتم اليوم طرح مشهد صِدامي مبني على تراكم لسنوات من "إنجازات" حققها اليمين المتطرف في عدد من الدول الغربية، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في أوروبا حيث حقق حزب "التجمع الوطني" الذي تقوده السياسية المتطرفة مارين لوبن نتائج تاريخية في الانتخابات التشريعية المفاجئة قبل أشهر لدرجة تحكمه بالبرلمان تقنياً، فيما يحكم اليمين المتطرف دولاً مثل المجر وبولندا وصولاً إلى إيطاليا التي يحكمها اليوم حزب "أخوة إيطاليا" الذي يضم أحفاد الديكتاتور بينتيو موسوليني، فيما يشكل حزب "البديل من أجل ألمانيا" مشكلة في قلب السياسة الألمانية المعاصرة، فيما باتت الأغنيات والأناشيد النازية حاضرة في مواقع التواصل من بين متطرفين.

وكل تلك الدول شهدت تجمعات نازية وأعمال عنف لمجموعات متطرفة أو محظورة، بعضها مسلح وخطير. وفي الولايات المتحدة تحديداً كان أنصار ترامب مثلاً يجولون في القوارب رافعين أعلام النازية قبيل الانتخابات الأميركية، مع تبني ترامب صراحة لأيديولوجيا النازيين الجدد، التي ترى في الولايات المتحدة وطناً للبيض المسيحيين المحافظين فقط، بينما يشكل ما عدا ذلك جماعات بشرية غير مرغوب بها.

ومظاهرة أوهايو تشبه إلى حد كبير مظاهرة شهدتها مدينة ليون الفرنسية في حزيران/يونيو الماضي، حيث ساهم خطاب السياسيين المتطرفين في تشجيع الأفراد العاديين على التعبير عن أنفسهم من دون خوف، بسبب انحراف البوصلة السياسية وتراجع اليمين التقليدي لدرجة باتت فيها الأفكار العدائية القائمة على تفوق العرق الأبيض والفاشية عادية لحضورها يومياً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل من قبل شخصيات عامة. وفي مظاهرة ليون ظهر نحو 40 شخصاً وهم يهتفون: "نحن نازيون. المسلمون خارج أوروبا"، بشكل لا يقل بشاعة عن مشهد النازيين الأميركيين يصورون وجوه المواطنين من أصول أفريقية وهم يصفونهم بعبارة "الزنوج" شديدة العنصرية.



وفي الحالة الأميركية، كان ترامب يقدم الخطاب النازي طوال الأشهر الماضية، وكذلك فريق حملته الانتخابية وعدد من أكبر داعميه مثل رجل الأعمال أيلون ماسك الذي برر حتى تصرفات اليمين المتطرف في أوروبا بوصفها أمراً عادياً. والمروع أن ملايين الأميركيين ممن صوتوا لترامب في 2016 و2020 و2024 يرون فيه القائد المخلص لأميركا من "شرور التعددية" وإعادتها إلى مجدها السابق. ولم يكن غريباً بالتالي أن يعين ترامب مثلاً العام الماضي، الناشطة المسيحية المتطرفة لورا لومر، ضمن فريق حملته الانتخابية، هي التي قالت بصراحة أنها مؤمنة بتفوق العرق الأبيض، وأن الولايات المتحدة بُنِيت كبلد "عرقي مسيحي يهودي أبيض بشكل أساسي، لكن بمرور الوقت، والهجرة وكل هذه الدعوات للتنوع، بدأ تدمير هذا البلد".

وخلال حملته الانتخابية وصف ترامب خصومه بـ"الحشرات"، وتعهد بـ"القضاء على الشيوعيين والماركسيين والفاشيين وقطاع الطرق اليساريين المتطرفين الذين يعيشون مثل الحشرات"، وقال أيضاً أنه في حال انتخابه مرة أُخرى العام 2024، "فإنه سيصبح ديكتاتوراً من اليوم التالي لانتخابه"، مثلما استرسل في خطاب آخر قائلاً: "المهاجرون يسممون دماء بلادنا"، فيما استخدم عبارة "الغزو" مراراً للإشارة إلى المهاجرين والأميركيين من أصول أفريقية كما طلب من النساء ذوات البشرة الملونة العودة للبلدان التي جئن منها.

والمثير للاهتمام أن تراكم سنوات من وجود السياسيين المتطرفين في المشهد السياسي في الدول الغربية، جعل ما يصرحون به روتينياً. ففي السابق مثلاً، كانت هذه النوعية من التصريحات تلقى تقريعاً طويلاً في وسائل الإعلام لكنها اليوم تمر من دون مشكلة حقيقية، ما يجعل أصحابها يتمادون في خطاباتهم اللاحقة لتقديم مزيد من الخطاب الفاشي، وهو ما أشار له أستاذ علم الاجتماع في جامعة "تشابمان"، بيتر سيمي، الذي درس الجماعات المتطرفة والعنف لمدة 25 عاماً، وشارك في تأليف كتابين عن نزعة التفوق الأبيض في الولايات المتحدة: "ترامب يكون أكثر جرأة في تصريحاته عندما لا توجه الكاميرات والأضواء نحوه"، مشيراً إلى أن تصريحات ترامب لم تعد تتصدر عناوين وسائل الإعلام مثلما كان عليه الحال قبل سنوات، ما يجعله يتشدد أكثر في تقديم خطاب فاشي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها