ورهاب الحرب، ليس حالة مستجدة على اللبنانيين. هو نتاجٌ للتروما المتلاحقة، واضطرابات ما بعد الصدمة، أو الصدمات، التي أنتجتها الحرب الأهلية (1975-1990)، وتراكمت مع سلسلة الاغتيالات وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020. ومن الشائع أن كل لبناني يعيش في هذه البقعة الجغرافية لا بد أن يكون محللاً استراتيجياً، ينشر تحليلاته ويتحدّث عن الأوضاع الجارية في البيوت والشوارع والمقاهي.
أثر التجارب الماضية
الواقع أن الحالة الشائعة بجدولها الزمني، هي حالة متصاعدة ومتراكمة، تجدّدت أيضاً منذ بدء الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023. هي نتاج ما يقرب من 10 أشهر من الحرب التي بات رائجاً وصفها بأنها "غير موسّعة". فالحرب المستمرة على جنوب لبنان، والممتدة إلى مناطق بقاعية، يقابلها أيضاً الخلاف اللبناني الدائم المتمثّل بـ"قسم يتابع مسابقة ملكة جمال لبنان" وآخر "يعيش تحت القصف الإسرائيلي".
إلى جانب كل هذه المكوّنات اللبنانية الضيّقة، تلعب الدعاية الإسرائيلية دورها في الحرب النفسية على اللبنانيين. فقد نشر الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين مثلاً، منشوراً في منصة "إكس" يظهر خريطة مضاءة باللون الأحمر على الضاحية الجنوبية لبيروت مع تعليق: "العد التنازلي قد بدأ". وخرجت حسابات إخبارية لتنشر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعدّ عدّته وتوجّه نحو الجبهة الشمالية.
معلومات مضللة
وفي غضون ساعات قليلة، لم تسترح مواقع التواصل من معلومات مضلّلة تبثّ الرعب، لا سيما الأخبار التي لا تملك مصدراً موثوقاً. وأبرز ما أشيع، هو الأهداف التي ستضربها إسرائيل. فقد انتشرت رسالة تفيد بأن "إسرائيل أبلغت فرنسا بأنها وضعت خيارات ضرب أهداف في ضاحية بيروت الجنوبية وبرج البراجنة كرسالة ردع قوية لحزب الله ولكبحه عن الاستمرار في التصعيد"، فيما انتشر أيضاً خبر تحليق الطيران الإسرائيلي على مستوى منخفض فوق بيروت وضاحيتها الجنوبية.
تورية الخوف
يخفي بعض اللبنانيين، وجمهور المقاومة تحديداً، في مواقع التواصل، رهاب الحرب هذا. تنحصر مشاعرهم المرتبطة بالخوف أو القلق في محادثات جانبية، عبر "واتساب" بين الأصدقاء والعائلة. وفي المقابل، كثّف مناصرو "الحزب" نشر فيديوهات لرفع الروح المعنوية، تمثّلت في خطابات للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله مذكّرين بمعادلة "المنزل بالمنزل والعمارة بالعمارة والمطار بالمطار"، وبأنّ "المقاومة لن تتوانى عن الرد".
في الوقت نفسه، نزحت قلّة من العائلات من مراكز إيوائها في الجنوب إلى بيروت، وعائلات أخرى خرجت من الضاحية الجنوبية لبيروت بحثاً عن ملاذ أقل خطورة، ريثما ينتهي الرد المرتقب. ولم ينسَ بعض روّاد مواقع التواصل التهكّم على وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، عبد الله بو حبيب، حينما أعلن تلقي بيروت تطمينات من الدول المعنية بأن الرد الإسرائيلي "سيكون محدوداً". فالتصريح خرج ضمن الفوضى الرقمية الحاصلة، وخرج بطريقة أنّ الرد الإسرائيلي "محتّم" و"أصبح عادياً" لكنّه لن يؤدي إلى توسّع للحرب.
تجدد القلق
إذاً، هي حلقة متواصلة يعيشها اللبنانيون بشكل دائم، وليست بجديدة. لكن ما استجدّ في الرد الإسرائيلي المتوقع هو تجديد خلايا القلق والخوف المتجذّرين أساساً لدى المواطنين. وفي الوقت نفسه، تغذّي السردية الإسرائيلية التي تستغلّ حادثة مجدل شمس، وأخرى قبلها، لإشعال الفتنة وإحداث الفوضى.
لبنان بات مكاناً مغلقاً يعلق فيه أبناؤه، يعملون، ويقلقون، لكنّهم في المقابل صامدون في قلبه، أو يظهرون ذلك، حيث لا مكان آخر للهرب. و"الصمود" هنا، بمعناه السلبي، يشير إلى أنّ الصامد يعاني من رهاب "الكلوستروفوبيا Claustrophobia". ويعني رهاب الأماكن المغلقة أو رهاب الاحتجاز، أي الخوف من الأماكن المغلقة التي يمكن أن يكون الهرب منها صعباً أو مستحيلاً. فلبنان، مكان مغلق، تصعب مغادرته منه، لكنّه يتحوي في المقابل على ساحة تعبير في مواقع التواصل الاجتماعي إمّا تكون متنفسّاً، وإمّا أن تكون رعباً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها