السبت 2024/08/10

آخر تحديث: 13:17 (بيروت)

جدار الصوت إذ يختبر صمود بيروت

السبت 2024/08/10
جدار الصوت إذ يختبر صمود بيروت
طائرة حربية تخرق جدار الصوت (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في تطور للحرب النفسية التي تمارسها إسرائيل ضد لبنان، اخترقت الطائرات الحربية الإسرائيلية جدار الصوت فوق بيروت مراراً، خلال الأسبوع الماضي، مع نية أوسع لجعلها حركة عادية تحمل رمزية أخرى بموازاة الحرب القائمة فعلاً في الجنوب مع "حزب الله"، والمستمرة منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

ومثلما تشهد الساحة اللبنانية انقسامات وخلافات، شهدت الحرب انقسامات بين "من يريدها" و"من لا يريدها". واليوم، بات خرق جدار الصوت في سماء بيروت، حالة متجددة تشرح ذلك الانقسام. فالعاصمة لم تعد محيّدة عن الصراع، بل جزءاً من المعركة ضمن استراتيجيات الحرب النفسية التي تؤكد إسرائيل عبرها رغبتها في أن يكون كل اللبنانيين تحت جناح الحرب، إلى جانب كونها حالة توضح زيادة الاحتقان والانقسام الداخلي، تجاه "حزب الله" تحديداً.

ومنذ بداية الحرب، شهدت البلاد تصاعد خطاب "لبنان يريد الحرب" ومشتقاته، وكالعادة، برز الانقسام الطائفي والمناطقي تجاه الحرب، ومَن ولّدها، ومَن أراد إشعالها في لبنان.

بوضوح، تعزز إسرائيل فكرة أن "حزب الله" يجر اللبنانيين إلى الحرب، ويصبح خرق جدار الصوت هنا رسالة سياسية كونتها تل أبيب على أصوات المعارضين والمنتقدين الذين سيعلو صوتهم بالتأكيد ضد الحزب بعد كل مرة ستخترق فيها الطائرات جدار الصوت.

يظهر ذلك بوضوح في منشور لوزارة الخارجية الإسرائيلية، عبر "إكس"، جاء فيه: "إلى جيراننا في لبنان: لقد وقع بلدكم رهينة لدى حزب الله، المنظمة الإرهابية التي أحدثت الدمار والإرهاب وعدم الاستقرار في مختلف أنحاء لبنان. إن حزب الله لا يشكل تهديداً لنا في إسرائيل فحسب، بل يشكل أيضاً تهديداً لسلامة وأمن الشعب اللبناني. الآن هو الوقت المناسب للتحدث بصراحة".

هي حركة اعتيادية تنتهجها إسرائيل، في محاولة لإسقاط عبثيتها في الحروب، تماماً كما يحصل في غزة. وتوازياً يتداول اللبنانيون في "واتسآب" رسالة مكونة من كلمة واحدة: "جدار؟" كي يتأكدوا من طبيعة ما سمعوه. وهنا، تختلف ردود الأفعال، بين من يستقوي على خرق جدار الصوت بالقول أنه فعل اعتيادي يعيشه أهالي جنوب لبنان يومياً، وبين آخرين يعتقدون أنه "شيء عظيم غير معتاد" في بيروت.

فعلياً، تهتز العاصمة، تهتز مع كل "جدار"، بينما لم تندمل الصدمة النفسية التي خلفها تفجير مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020.  ويكفي لإسرائيل إذاً أن تخرق جدار الصوت فوق العاصمة، لتزيد احتقان أهلها من جهة، وتعكس مدى صمودهم من جهة أخرى.

وبيروت نفسها، التي تضم مواطنين من مختلف الانتماءات والخلفيات، لها ردّ فعل جديد ومختلف عن أهالي الجنوب. والرابط الوحيد بين أهالي بيروت وجنوب لبنان في هذه النقطة، هو الخوف الطبيعي عند خرق جدار الصوت. لكن الاعتياد على أصوات الحرب، من جدارات، وانفجارات، واستهدافات، بات جزءاً يومياً من نمط العيش الجنوبي.

وهذا فعلياً ما خلق أصواتاً تنتقد رد الفعل البيروتي. فيعمد مناصرو "حزب الله"، في أغلب الأحيان، إلى إخفاء خوفهم من جدار الصوت، كجزء من الصمود والمقاومة. لكن هذا لا ينسحب على الفئات البيروتية كافة، فتصطاد إسرائيل في الماء العكر، بين عبارات "نحن لا نريد الحرب، والحزب هو من أقحم لبنان فيها"، ومَن يرون أنفسهم ضحايا "الحرب التي أرادها الحزب".

في المقابل، برز خطاب "تسخيف ردّ فعل البيروتيين" تحت مقولة "أهل الجنوب كل يوم بيعيشوا هيك". هذا الانقسام نفسه موجود بين كيلومتر وآخر في بيروت. وانتشرت صور ساخرة، بتلك اللقطة الشهيرة من كواليس فيلم ميل غيبسون "شغف المسيح"، وفيها رجل مغطى بالدم يحمل اسم "جنوب لبنان"، ورجل آخر بثياب نظيفة يخبره أن جدار الصوت خرق فوق بيروت. بمعنى، أن جدار الصوت ليس نقطة في بحر المعاناة الجنوبية.

على أن الحرب النفسية الإسرائيلية تطاول لبنان كله اليوم، خصوصاً مناطق الجبل التي تتعرض لخرق جدار الصوت بشكل شبه يومي أيضاً. وما يحصل اليوم هو أن صمود أهالي جنوب لبنان بدأ يتمدد ليختبر صمود البيروتيين. أي أن إسرائيل تختبر صمود العاصمة التي تفجرت في 4 آب/أغسطس، وسط انقسام أهلها أيضاً حول القضية التي باتت مسيّسة وطائفية.

وهنا، شاع نقاش أن تفجير المرفأ هو قضية تخص المسيحيين، بينما الحرب على جنوب لبنان هي قضية تخص مَن يعانون منها فقط، أبرزهم شيعة جنوب لبنان. فسكان الضاحية الجنوبية في بيروت، يختلفون عن سكان الأشرفية مثلاً، التي تعيش أجواء بعيدة من الحرب أيضاً. وطرح هذا النقاش ليس بالضرورة ترويجاً للانقسام الداخلي، وإنما للإضاءة على حجم المعاناة المتلاحقة، ونقاط الضعف، وكيف ينتهي النقاش بصورة مخزية لمجتمع أكثر تفككاً من أي وقت مضى.

إسرائيل إذاً، تختبر صمود بيروت، وتنوي أن تصب الزيت على النار في وطن مهزوز أصلاً، مكوّناته ليست متماسكة. وإن كانت السلطات الرسمية غير قادرة على ضبط الوضع، يخرج تجار الأزمة وأصوات أخرى تؤكد هذا الاهتزاز المجتمعي، حيث يعكس غلاء أسعار الإيجارات بشكل فوضوي وغير عادل، مثلاً، صورة استغلالية للانقسام.

وسكان جنوب لبنان باتوا اليوم نازحين أو صامدين في ظل توتر يتنامى على مدار الساعة. وهنا، يتصاعد الخوف من أن يصبح الروتين اليومي لأهالي بيروت، مماثلاً لروتين أهالي الجنوب. وحتى اليوم، ما زال السكان يشقون نوافذ منازلهم خوفاً من تكسير الزجاج إثر الضغط الناتج عن خرق جدار الصوت، ويتوقعون أن تبدأ إسرائيل بخرقه ليلاً لإخافتهم. لكن المؤكد أن إسرائيل تختبر صمود كل الفئات اللبنانية، وعلى رأسها صمود بيروت المتنوعة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها