الثلاثاء 2024/07/16

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

قوانين حيازة الأسلحة لن تتغير بعد محاولة اغتيال ترامب!

الثلاثاء 2024/07/16
قوانين حيازة الأسلحة لن تتغير بعد محاولة اغتيال ترامب!
increase حجم الخط decrease
تطرح محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي دونالد ترامب، خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا، السبت الماضي، مفارقة ساخرة، بالنظر الى دفاع ترامب شخصياً، والحزب الجمهوري عموماً من سياسيين وناخبين، عن حق الأميركيين في حيازة الأسلحة استناداً إلى التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة، لدرجة أنه لو قام الديموقراطيون اليوم بعد محاولة الاغتيال بطرح مشروع قانون في الكونغرس بعنوان "تشريع سلامة دونالد ترامب وتنظيم الأسلحة النارية" لصوّت الجمهوريون ضده مع حملة تشهير قد يقودها ترامب شخصياً ضد تلك الطروحات التي تحضر في السياسة الأميركية باستمرار منذ عقود.

ووقعت الحادثة بينما كان ترامب يُلقي خطاباً أمام حشد من مؤيديه تمهيداً للانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر. وفيما كان الحديث عن الانتخابات والاستقرار المحلي والاستقطاب والعنف السياسي حاضراً بعد الحادثة، برزت أيضاً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل، نقاشات عن مسألة تنظيم الأسلحة في الولايات المتحدة التي تمتلك أعلى رقم تقديري للأسلحة النارية لكل فرد في العالم، والذي يبلغ 120.5 سلاح ناري لكل 100 شخص، فيما يتواجد ما لا يقل عن 393 مليون سلاح ناري في الولايات المتحدة حتى العام 2022، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، يقتل بسببها نحو 30 ألف شخص سنوياً في الولايات المتحدة، بين حوادث فردية وهجمات على نواد للمثليين أو على المدارس وغيرها من الفواجع التي تتكرر في نشرات الأخبار.

ويضمن التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة الحق في حمل السلاح، ويقول حوالي ثلث البالغين الأميركيين أنهم يمتلكون شخصياً سلاحاً نارياً، بحسب إحصاءات مركز "بيو" للأبحاث العام 2023 علماً أن تلك الأرقام لم تتغير عما كانت عليه منذ العام 1972 إلا بشكل طفيف من عام إلى آخر، فيما تبرز اختلافات واضحة في معدلات ملكية الأسلحة بحسب الانتماء السياسي والجندر وغيرها من التصنيفات أبرزها ميل نحو 45% من الجمهوريين إلى امتلاك السلاح مقابل 20% فقط من الديموقراطيين، وميل 40% من الرجال لامتلاك السلاح مقابل 25% من النساء.

وحتى على الصعيد العرقي يميل الأميركيون البيض الى امتلاك الأسلحة بنسبة هي الأعلى من بين المكونات العرقية الأخرى بنسبة 38% مقابل المنحدرين من أصول أفريقية (24%) واللاتينيين (20%) والآسيويين (10%)، كما يمتد الأمر الى مكان السكن حيث تنتشر الأسلحة في المناطق الريفية بنسبة 47% مقابل المدن (20%) والضواحي (30%).

والجدل ككل، مثله مثل دراما الانتخابات التي يتنافس فيها العجائز على السلطة، يسلط الضوء على المشاكل الدستورية الأساسية في الولايات المتحدة التي تسمح بتفشي العنف في المجتمع وبممارسة العنصرية المنهجية ضد فئات كثيرة، حيث كتب "الآباء المؤسسون" الدستور قبل 235 عاماً لمجتمع زراعي لا يزيد عدده عن 4 ملايين نسمة، منهم 700 ألف من العبيد.

وحسب صحيفة "غارديان" البريطانية، كان أكبر قلق لدى أولئك المشرعين هو منع "استبداد الأغلبية"، وعنوا فيه سلطة الكثيرين، بمن فيهم غير البيض، لإملاء ما يريدون على الأقلية.

اليوم تغير المجتمع الأميركي بشكل كبير، لكن دستوره يبقى غارقاً في ذلك الماضي المظلم والعنصري، ما يظهر بصورة قوانين حيازة الأسلحة المبنية على الخوف من الآخرين ونزعة التفوق عليهم، إضافة إلى طريقة عمل الانتخابات عبر المجالس الانتخابية لكل ولاية والتي تسمح بظهور سياسيين "متطرفين" من حين إلى آخر لا ينالون أغلبية شعبية في التصويت على غرار ترامب والرئيس السابق جورج بوش على سبيل المثال، وهو ما دفع الباحثين السياسين في جامعة "هارفرد" ستيفن ليفستكي ودانيال زيبلات للقول في كتابهما "استبداد الأقلية" أن "الفشل في إصلاح المؤسسات القديمة، والتي تسهل وتشجع تقدم أقليات متطرفة، ترك البلاد عرضة للأزمة الحالية".

وجاء في التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة: "لما كانت الميليشيات الحسنة التنظيم ضرورية لأمن الدولة الحرة، فلا يجوز مصادرة حق الناس في اقتناء السلاح وحمله"، وشهدت البلاد عدة محاولات لتنظيم حيازة السلاح كان آخرها العام 2022 عندما وقع الرئيس جو بايدن على قانون وضع قيوداً بسيطة على حمل السلاح رآها المراقبون غير كافية، علماً أن المحكمة العليا أكدت العام 2008 في قضية مقاطعة كولومبيا ضد هيلر، أن "حق امتلاك الأسلحة يعود للأفراد، للدفاع عن أنفسهم في موطنهم"، علماً أن القوانين تختلف بشكل طفيف من ولاية إلى أخرى.

واللافت أن ردود الأفعال والدعوات لتقييد حمل السلاح، بقيت محصورة بالناشطين وجماعات الضغط والصحافيين والمعلقين في مواقع التواصل، ولم تصل إلى السياسيين حتى من الحزب الديموقراطي، بشكل يختلف كلياً عما كان عليه الحال مثلاً عند محاولة اغيال الرئيس السابق رونالد ريغان العام 1981 (نيويورك تايمز)، وربما يعود ذلك إلى محاولة الديموقراطيين عدم إثارة مزيد من الاستقطاب في أمة مقسمة أكثر من أي وقت مضى، مع التركيز على كلمات مثل "الوحدة الوطنية"، خصوصاً أن تلك الدعوات لن تلقى أي رد إيجابي من قبل السياسيين الجمهوريين، الذين قاموا العام 2017 مثلاً بتقديم مشروع قانون للكونغرس اقترح تخفيف القوانين الخاصة بحيازة السلاح إثر محاولة قتل النائب الجمهوري في ولاية لويزيانا ستيف سكاليز، بدلاً من العكس!

في المقابل، كان قادة اليمين الأميركي في الحزب الجمهوري يصفون المشهد السياسي الحالي بأنه حرب منذ أكثر من 10 سنوات، وعزز ترامب شخصياً من تلك السردية مع صبغه الحزب الجمهوري بلونه إلى درجة لا يمكن الفصل بين الطرفين اليوم، ومحاولة اغتياله عززت تلك السردية التي باتت تصف "الأعداء" بأنهم "خطيرون فعلاً" بشكل يستدعي التسلح ضدهم، وهو ما يمكن ملاحظته خصوصاً في التعليقات المؤيدة للجمهوريين في مواقع التواصل.

والمشكلة أنه ضمن هذا المناخ المتشنج يتم تأطير الدعوات العقلانية الخاصة بتقييد الوصول للأسلحة على أنها تطرف مضاد يستهدف الحقوق الفردية وسلامة العائلات التي ترتبط بسيل جارف من التعليقات العنصرية الآتية من ترامب والسياسيين المحيطين به ممن يصورون المهاجرين والأقليات على أنهم مجرمون وتجار مخدرات وأفراد عصابات ومغتصبون، في أفضل الأحوال. ولا يقتصر ذلك على السياسة بل يتمد إلى الفن أيضاً.

ففي العام 2019 أطلقت النجمة العالمية مادونا أغنية "غود كونترول" (God Control) في تلاعب لفظي على موضوع تقييد الوصول للأسلحة (Gun Control)، وتحدثت فيها عن المناخ السياسي المضطرب وذكرت بمجزرة أورلاندو العام 2016، التي قتل فيها نحو 50 شخصاً في هجوم استهدف نادياً للمثليين، ما عرضها لانتقادات من المحافظين والجمهوريين، لدرجة يتم فيها وصف الأغنية بأنها مثيرة للجدل رغم أن أفكاراً مثل التعاطف مع ضحايا العنف المجاني مثلاً لا يجب أن تكون قضية جدلية أصلاً في مجتمعات صحية.

هذا الاستقطاب يجعل المستقبل مظلماً من دون تشريعات وضوابط قانونية، لأن كثر ممن لا يمتلكون أسلحة اليوم قد يفكرون بامتلاك أسلحة في المستقبل بسبب مناخ الخوف وتحويل السياسة إلى ميدان حرب وجودية، وهو ما يظهر في استطلاعات الرأي حيث قال نحو 47% ممن لا يملكون أسلحة أنهم يستطيعون تخيل أنفسهم مع سلاح في المستقبل إن دعت الحاجة.

وهنا، تظهر الولايات المتحدة مختلفة جداً عن دول غربية أخرى تبنت مع الزمن قوانين صارمة للسيطرة على الأسلحة استجابة للعنف المسلح، ما أدى إلى انخفاض كبير في معدلات الوفيات المرتبطة بالأسلحة، بما في ذلك أستراليا التي نفذت بعد مذبحة بورت آرثر العام 1996 "اتفاقية الأسلحة الوطنية" التي تضمنت برنامج إعادة شراء الأسلحة ما أدى إلى تدمير أكثر من 600 ألف سلاح، مع فرض لوائح صارمة بشأن ملكية الأسلحة، علماً أنه لم تحدث أي عمليات إطلاق نار جماعية في العقدين التاليين لتنفيذ الاتفاقية.

من جهتها، تمتلك بريطانيا ربما أشد قوانين السيطرة على الأسلحة في العالم، بعد حادث إطلاق نار في مدرسة في دانبلاين باسكتلندا العام 1996، لدرجة أن ملكية الأفراد للأسلحة اليوم محدودة للغاية مع متطلبات صارمة لفحص الخلفية والتراخيص.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها