التسجيل المصور الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وأثار ردود أفعال مختلفة بين اللبنانيين، لدورية من قوى الأمن تتعرض للتهجم عليها من قبل مواطن لبناني إثر قيامها بإزالة مخالفة بناء، لا يظهر فقط مدى ضعف الدولة اللبنانية والاستقواء عليها من قبل الأحزاب وزعران الأحياء والمسلحين، إنما أيضاً الطائفية التي لا تزال متجذرة في نفوس كثير من اللبنانيين.
وخلال محاولة دورية لقوى الأمن الداخلي إزالة بناء مخالف في قرية كفر قاهل في الكورة، تهجم عليها صاحب البناء المدعو مصطفى القرعلي، وقام بشتم عناصر الدورية وتهديدهم بثلاثة آلاف مقاتل من سرايا المقاومة التابعة لحزب الله، وتمادى لتصل شتائمه إلى بكركي ورموز دينية أخرى تابعة للطائفة المسيحية. وورد في الفيديو كلام عنصري مقيت.
في بلد طبيعي، ينحصر حق استخدام القوة بالدولة التي تستخدم هذا الحق لتطبيق القانون ومنع تعدي طرف على آخر أو على الأملاك العامة. منذ زمن بعيد انتفى هذا الحق في لبنان. ومنذ العام 2005، بدأت الدولة اللبنانية تشهد المزيد من الضعف في مقابل سيطرة الأحزاب والمليشيات المسلحة وزعران الأحياء، تحولت الدولة بالنسبة إلى فئات كثيرة إلى مقدم خدمات، عليها واجبات لكن ليس لديها حقوق، وحين يستلزم الأمر حل أي خلاف بين اللبنانيين، يلعب الحزب المسيطر على الأرض دور قوى الأمن والقضاء، في حين تأخذ الدولة وقواها الأمنية دور مُسيّر الأعمال.
المشهد الذي يتكرر كل يوم تقريباً على مختلف الأراضي اللبنانية، أضيف إليه في إشكال الكورة بالأمس، كمّ من الشتائم وجهها الجاني إلى بكركي والمسيحيين، وهو ليس بالأمر العابر. بالنسبة له وللكثير غيره، فإن الدولة تمثل المسيحيين، بينما تنوب عن المسلمين أحزاب وقوى رديفة. هي أفكار متجذرة في لاوعي هذه الجماعات منذ زمن بعيد، لها أسبابها التاريخية وتقع مسؤولياتها على الدولة والأحزاب الفاعلة.
فما زال كثر من الجنوبيين الشيعة مثلاً ينظرون إلى أنفسهم كطائفة منبوذة، كما كانوا في زمن سابق قبل الحرب الأهلية، رغم أن وضعهم تغيّر جذرياً في السلطة، لكن بالنسبة إليهم الدولة هي كيان أسسه المسيحيون وأخذوا امتيازاته، تاركين لغيرهم أعمال العتالة ومسح الأحذية. وبغض النظر عن مدى دقة هذه التوصيفات إلا أنها موجودة ويتم تناقلها واستخدامها لشد العصب الطائفي كلما دعت الحاجة، ولم يسهم اتفاق الطائف وإعادة توزيع المناصب والصلاحيات في تغيير هذا الواقع.
مُحاولةً الحفاظ على ماء وجهها، أعادت الدولة القبض على القرعلي وشقيقه، وانتشر فيديو في مواقع التواصل لآلية تباشر بهدم المخالفة، إلا أن الواقع يعرفه الجميع وهو أن المخالفة قد لا يتم هدمها كلياً وقد يعاد بناؤها، وسيطلق سراح الشقيقين قرعلي في غضون أيام، إن لم يكن خلال ساعات، بعد تدخل الوساطات والثلاثة آلاف مقاتل الذي يقف خلفهم أكثر من مئة ألف مقاتل، ومجتمع كامل لا يؤمن بالدولة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها