الإثنين 2024/08/05

آخر تحديث: 14:12 (بيروت)

ردّ إيران المرتقب...بداية النهاية لمشروعها في المنطقة؟

الإثنين 2024/08/05
ردّ إيران المرتقب...بداية النهاية لمشروعها في المنطقة؟
المتمردون الحوثيون في اليمن (getty)
increase حجم الخط decrease
رفعت إيران، من خلال تصريحات مسؤوليها، سقف الردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران. وهي ليست المرة الأولى التي ترفع فيها طهران تهديداتها إلى مستوى غير مسبوق، إلا أن حسابات سياسية وموازين قوى غير متساوية، لطالما قيّدت إيران عن القيام بتصعيد كبير بوجه إسرائيل. هواجس إيرانية كثيرة تعترض أي حرب شاملة في المنطقة، منها حماية النظام الإيراني والبرنامج النووي، ومنها أيضاً "ضعف" حلفاء إيران في المنطقة. فهل تكون الحرب الشاملة مدمِّرة لأذرعها، وبالتالي، نهاية المشروع الإيراني؟

نتنياهو مرتاح
منذ دخول الكنيست في عطلته السنوية في الأول من آب/أغسطس، والتي ستستمر حتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر، زالت الضغوط البرلمانية عن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأصبح مرتاحاً إلى استمرار حكومته، أقلّه حتى نهاية عطلة الكنيست، وبات قادراً على اتخاذ قرارات صعبة من دون عراقيل أو خوف على حكومته. في الوقت نفسه، فإن عزوف الرئيس الأميركي جو بايدن عن الترشح لولاية ثانية، خفف الضغوط عن كل من بايدن ونتنياهو، بعدما تم تحييد الحسابات الانتخابية. يضع هذان العاملان نتنياهو في وضع مريح نسبياً. وعليه، فإن أي ضربة مؤذية لإسرائيل، يكون مصدرها الأراضي الإيرانية، كمقتل عدد كبير من المدنيين أو تضرر بنية تحتية أساسية، قد تؤدي إلى رد فعل إسرائيلي يشعل المنطقة. قد لا يتردد نتنياهو وحكومته المتطرفة باستهداف مفاعلات نووية إيرانية، أو توجيه ضربة قاسية لقدراتها العسكرية.

الضعف العسكري لمحور المقاومة
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ودخول حلفاء إيران في ما سموها "جبهة مساندة غزة"، ظهرت الفجوة بين القدرات العسكرية الإسرائيلية وبين "محور المقاومة".

على مدى الأشهر الماضية، قامت إسرائيل باستهداف البنى التحتية العسكرية لحزب الله، أقوى أذرع طهران، في لبنان. كذلك وجهت ضربات دقيقة لشحنات الأسلحة الآتية من إيران عبر سوريا، وبدا التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي واضحاً مع اغتيالات لقياديين في الحزب، كان أبرزهم القائد العسكري الأول فؤاد شكر والقياديُ في قوة النخبة وسام الطويل، واغتيال قيادي حماس في الضاحية الجنوبية صالح العاروري مع رفاقه، والمهندس علي حدرج.

وفي شباط/فبراير، قتلت ضربة عسكرية أميركية قائداً في "كتائب حزب الله" في العراق، رداً على هجوم بطائرة مسيّرة على قاعدة لوجستية أميركية تقع في الصحراء الأردنية على الحدود مع العراق وسوريا، أدى إلى مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة العشرات بجروح، وفقاً للجيش الأميركي. وما لبثت كتائب حزب الله أن علقت بعد الهجوم الأميركي، عملياتها العسكرية والأمنية ضد القوات الأميركية بهدف "منع أي إحراج للحكومة العراقية". 

كذلك، واجه الحوثيون في اليمن صعوبات كثيرة في إيصال صواريخهم ومسيراتهم إلى إسرائيل، والهجوم الوحيد الناجح الذي شنه الحوثيون كان في 19 تموز/يوليو، حين استهدفوا تل أبيب بطائرة مسيّرة أدت إلى مقتل إسرائيلي. إلا أن النتيجة كانت سلسلة غارات تبناها الجيش الإسرائيلي استهدفت مدينة الحديدة اليمنية وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، فيما طاولت الضربات منشآت لتخزين النفط في مرفأ المدينة، وخسائر اقتصادية هائلة.

وضع سوريا معقد
أرادت إيران من خلال تدخلها في سوريا، تحويلها إلى بلد شبيه بالعراق أو لبنان. فبالإضافة إلى الحفاظ على نظام موالٍ لطهران، عمل الحرس الثوري جاهداً لنشر ميليشياته بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة، لتكون قاعدة انطلاق لعملياته ضد إسرائيل. حال التدخل الروسي وسيطرة موسكو على دمشق دون تحقيق هذه الأهداف. ففي نيسان/أبريل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إقامة نقطة مراقبة عسكرية جديدة قرب خط وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل (خط برافو) في الجولان السوري المحتل. والموقع العسكري الروسي الجديد هو الثالث المُعلن عنه منذ بداية 2024، من قبل مركز المصالحة الروسي في سوريا، وذلك بعد تصاعد عمليات استهداف المواقع الإسرائيلية في الجولان المحتل، من قبل مجموعات تابعة لحزب الله وميلشيات إيرانية، مع بداية العدوان على غزة. وفي الأول من آب/أغسطس، نقل "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن مصادر "موثوقة"، أن القيادة العسكرية لقوات النظام السوري، أمرت جميع القطع والثكنات العسكرية الواقعة عند الحدود مع الجولان المحتل، بعدم استخدامها كمنطلق لاستهداف إسرائيل. وذلك لتحييدها عن أي مواجهات عسكرية محتملة في المنطقة.

بيئات حاضنة ضعيفة
تقف أذرع إيران في الدول التي تتواجد فيها، على أرض هشة. تعاني بيئاتها الحاضنة نتائج الانهيارات الاقتصادية التي تضرب لبنان والعراق واليمن وسوريا. الثورة التي اندلعت في لبنان في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، كانت موجهة بجزء كبير منها ضد حزب الله وسيطرته مع حلفائه على الدولة، محملة إياه فشل السياسات الإقتصادية. ولا يختلف الواقع كثيراً في العراق حين نزل العراقيون إلى الشوارع في تشرين الأول/أكتوبر 2019، احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد المالي الإداري والبطالة. وندّد المتظاهرون أيضاً بالتدخل الإيراني في العراق وحرق العديد منهم العلم الإيراني ورفعوا شعارات "لا أميركا لا إسرائيل لا سعودية لا إيران". أما في اليمن، فقد خرجت التظاهرات في صنعاء العام 2018، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية، وحمّـل المتظاهرون التحالف العسكري السعودي-الإماراتي والحوثيين مسؤولية التدهور.

جهات مناوئة
ما يضع حلفاء إيران في وضع صعب أيضاً، أنها في كل دولة تتواجد فيها، هناك جهات أخرى مناوئة لها على الحكم وتتحين فرصة أي اضطراب أو ضعف لهؤلاء الحلفاء كي تنقض عليهم. في اليمن مثلاً، لم تنته الحرب بعد بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها. وفي لبنان، لا يخفي خصوم حزب الله رغبتهم في نزع سلاحه، ويتمنى كثيرون أن تؤدي حرب بين الحزب وإسرائيل إلى إضعاف الحزب وسيطرته على الدولة. ويتخوف كثيرون أن تؤدي هذه الحرب إلى اضطرابات داخلية، وبالتالي حرب أهلية. ويصبح الأمر أكثر تعقيداً في العراق وسوريا. فقد نشرت الأمم المتحدة تقارير تشير إلى أن الجماعات المتطرفة الكبرى في المنطقة تستغل الحرب في غزة لجذب مجندين جدد، وتحفيز المؤيدين الحاليين، وأن التعرض المستمر لصور المعاناة من غزة يشجع على العنف المتطرف في المنطقة. وأفادت القيادة المركزية الأميركية بزيادة في عدد هجمات "داعش" الإرهابية في سوريا والعراق في النصف الأول من عام 2024، حيث تضاعف عدد الهجمات مقارنة بالعام الماضي.

حسابات دقيقة
قد يستدعي أي رد إيراني غير محسوب، على إسرائيل، حرباً شاملة لن تكون لصالح طهران وحلفائها في المنطقة، بل قد تنذر ببداية نهاية المشروع الإيراني. حسابات دقيقة يقوم بها الساسة الإيرانيون اليوم، مخافة أي خطأ في التقدير قد يؤدي لخسارة كل شيء، وما تريده إيران هو تحقيق مشهدية إعلامية شبيهة بالنيران المشتعلة في ميناء الحديدة، أو بمشهد الصواريخ والمسيرات المتجهة إلى إسرائيل في نيسان الماضي، بينما يقوم تحالف من دول غربية بصدها. إلا أن احتمالات الخطأ دائماً واردة. فأي صاروخ يسقط على مدنيين، أو يصيب منشآت مدنية أو عسكرية حساسة، ستكون نتيجته مدمرة للجميع وبالأخص لمشروع عملت طهران جاهدة لتحقيقه على مدى عقود.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها