يحتفل تلفزيون سوريا، في الثالث من آذار، بذكرى انطلاقته السنوية، ويدخل في عامه الرابع بالانتقال إلى مرحلة جديدة مختلفة عما مر به في أعوامه الثلاثة المنصرمة، والتي كانت بمثابة مرحلة تأسيسية. وكما نعرف في عالم الإعلام، فإن الانتهاء من التأسيس يفتح الباب لمرحلة أخرى طابعها الاستقرار الذي هو المرادف لمأسسة المؤسسة، ولا يعني ذلك، فقط، أن القناة عززت من محتواها في النوع والكم، وإنما أنها ترسخ صورتها بما تطرحه من قيم، وتحمله من رسالة، وتطمح إلى تحقيقه من أهداف في زمن ليس سهلاً على وسائل الاعلام المرئية. إذ كان هذا العام من أقسى الأعوام بسبب جائحة كورونا التي عطّلت حركة البشرية شهوراً عديدة، لكنها كانت في الوقت ذاته، بمثابة امتحان للقدرة على البقاء. ولا يتوقف الأمر هنا على الإمكانات المادية والموازنات التي تأثرت سلباً في كل مكان، بل يتعداه إلى مسألة حياة الكادر البشري والعمل في ظل القلق والضغوط والإغلاق ومنع التجول، وكان أحد همومنا هو الحفاظ على الكادر البشري، ولذلك عملنا كل ما في وسعنا كي نستمر كمحطة تلفزيونية لديها منصات عديدة، لإنتاج وترويج المحتوى، وفي الوقت نفسه تتحمل مسؤولية حماية تنمية كادرها.
يواكب "تلفزيون سوريا"، منذ انطلاقته، الثورة السورية، ويحكمه خط تحريري واضح، قائم على الالتزام بأهداف ثورة السوريين في الحرية والكرامة، وتأييد قيم الحرية وحقوق الإنسان والديموقراطية ورفض التطرف والعنف، وودعم نضالات السورييين من أجل الخلاص من النظام الذي ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، ومارس حروب التهجير والتطهير بدعم من إيران وروسيا.
وقبل كل شيء، كنا حريصين في هذه القناة على المهنية، والعمل وفق قواعد وأخلاقيات المهنة، بحيث نقدم محتوى جديداً ومتميزاً، قادراً على المنافسة وعلى قدر كبير من السوية: أخبار، تحاليل، آراء خبراء، وتحقيقات. وتتطلب عمليات تغطية الأحداث جهداً مضاعفاً في وضع سوريا، ونعمل بكل طاقتنا على عدم ترك أي فجوة في ما يتعلق بالإضاءة على الحدث، لنعطي مساحة من خلال البرامج للتعمق أكثر في التطورات والأحداث السورية وما يحركها ويحيط أو يتقاطع معها. ووصل بعض برامج التلفزيون السياسية إلى صدارة برامج القنوات التلفزية العربية، وتفوق عليها رغم الفوارق الكبيرة في الزمن والإمكانات.
ومن القيم التي اعتمدناها في عملنا، الرصانة ومخاطبة العقل واحترم الرأي الآخر، وعدم الانسياق وراء التحريض والبروباغندا، وتقديم محتوى موضوعي فوق التوظيف والأجندات. وفي ذلك كله، بقي المرجع الأساس لعملنا هو العلاقة الصحية مع المشاهدين ومتابعي منصات التلفزيون.
ومما انفرد به "تلفزيون سوريا" كمشروع إعلامي جديد تنهض به كفاءات شابة، التنوع في المحتوى ما بين سياسي، ثقافي، اقتصادي، اجتماعي، ورياضي. وكل ميدان من هذه الميادين يجد المساحة بالقدر الذي يراعي المعايير المتعارف عليها، وما تستدعيه الحالة التي وصلت إليها المسألة السورية. ويمكن لـ"تلفزيون سوريا"، شاشة ومنصات (موقع الكتروني، نيوميديا، سوشيال ميديا) أن يفخر بالمكانة التي حققها خلال زمن قصير، فوضع نفسه بقوة في الخريطة الإعلامية. وما يبعث على الاعتزاز والسرور، الاحترام الذي تحظى به هذه المحطة، والاهتمام من المتابعين في داخل سوريا وخارجها.
يعمل "تلفزيون سوريا" وفق هارموني متوازن، من أجل تقديم ساعات بث مباشر من حول سوريا ولأجل سوريا، وهذه مهمة صعبة من النواحي السياسية واللوجستية في ظل التشظي والشتات السوري وتقسيم الجغرافيا السورية إلى مناطق يصعب التنقل في ما بينها. ولأن التلفزيون يعتمد في الدرجة الأولى على المراسل، فإننا محرومون من تغطية المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام والادارة الذاتية، أي ما يعادل 80% من سوريا. وكي يظل هذا الجزء حاضراً، فإننا نبتكر في كل يوم، وسائل وأساليب لإيصال ما يدور في هذا المناطق.
يبقى أن "تلفزيون سوريا"، تجربة ذات لون خاص، ونافذة السوريين على أفق جديد، علينا أن نعمل لتبقى مشرّعة على الأمل في الذكرى العاشرة للثورة السورية، ثورة الملايين الذين قدموا تضحيات لا حدود لها من أجل انتزاع حقهم في الحرية والكرامة. وفي هذه المناسبة، لا بد من تسجيل شكر خاص لمؤسسة "فضاءات ميديا"، التي سهرت على هذه القناة منذ التأسيس وحتى اليوم، فهي راهنت على صنع هذا الإنجاز، وكان رهانها في محله، فهنيئاً لنا ولها بالانطلاقة الجديدة للقناة.
(*) رئيس تحرير تلفزيون سوريا.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها