وحمل الملف الذي تجاوز 7 آلاف كلمة، عنوان: "المصرفية، الأميرة، أميرة الحرب: الحياة المختلفة لأسماء الأسد"، حاملاً تساؤلات عن الطريقة التي أصبحت فيها فتاة نشأت في الغرب، الرابحة غير المتوقعة للحرب في سوريا.
وأشارت المجلة إلى
صورة انتشرت الصيف الماضي لأسماء وزوجها وأولادهما الثلاثة وهم يقفون على تلة يحيط بهم الجنود بالزي العسكري. وبدا الأسد في خلفية الصورة حيث كانت أسماء في مركزها بنظارتها الشمسية التي يفضلها حكام الشرق الأوسط الأقوياء، لكن الفضاء الهادئ خلف أسماء كان خادعاً. فبعد عشرة أعوام على الربيع العربي، الذي انتفض فيها عشرات الملايين من العرب ضد حكامهم المستبدين، مازالت عائلة الأسد متربعة على الحكم في سوريا ولكن بثمن باهظ. حيث قتل مئات الآلاف وتشرد الملايين وسجن عشرات الآلاف، وعذب نظام الأسد أكثر من 14 ألف معتقل حتى الموت، وصارت سوريا مركزاً لحروب الوكالة التي شاركت فيها إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة.
وكانت أسماء في كل هذه الملحمة الدموية، الرابح الأكبر، ولم تكن رحلتها إلى العظمة في بلدها المدمر سهلة، بل ظهرت في طريقها صورتها القديمة كموظفة سابقة في مصرف "جي بي مورغان" حيث كانت تعقد الصفقات في اللحظات الأخيرة من الليل، كما أنها السيدة الأولى الجميلة التي شعرت أن الإصلاح الاجتماعي والتحديث قد يخرج البلد من حالة العزلة التي يعيشها، ثم تحولت إلى ماري أنطوانيت دمشق التي كانت تتسوق في وقت كان بلدها يحترق، وأم الشعب التي تعاني من مرض السرطان في وقت سحق زوجها المتمردين ضد نظامه.
وتساءلت المجلة "أين ستنتهي هذه الرحلة؟"، فصعود أسماء في بلاط الأسد لم يعد مجرد شائعات. وفي العام الماضي وصفت الحكومة الأميركية أسماء بأنها "الرابحة الأكبر من الحرب" في سوريا. وهناك شائعات تتحدث عن إمكانية توليها السلطة في سوريا بعد زوجها، علماً أن أسماء سارت في طريق طويل من بيت شبه منفصل في لندن حيث نشأت فيه لتصبح مؤثرة في سوريا. فقد ولدت ونشأت في عائلة سنية سورية العام 1975 حيث وصل والداها إلى لندن في بداية سبعينيات القرن الماضي، بعد سيطرة مجموعة هامشية على الحكم في سوريا، ونشأت في غرب لندن بحي قريب من المناطق الراقية.
وكان والدها يصلي الجمعة وخلعت والدتها الحجاب بعد زواج أسماء. ووُصفت العائلة بالمحافظة، ولكن الحريصة على اندماج أولادها في الحياة الانجليزية. وكانت تُعرف في المدرسة التابعة لكنيسة إنجلترا باسم "إيما". وقال جار للعائلة: "كان من الصعب معرفة أنها سورية". ويبدو أن قدر أسماء هو العيش بين أصحاب المال في لندن، فقد درست في مدرسة راقية للبنات وهي "كوينز كوليج" التي لا تبعد إلا قليلاً عن عيادة والدها في هارلي ستريت. ثم درست في "كينغز كوليج" حيث تخرجت بشهادة في علوم الكومبيوتر.
وبحسب المجلة، يرى أعداء أسماء وأصدقاؤها أنها ذكية ومجتهدة. ولم تكن مهتمة بالشرق الأوسط، ففي رحلة إلى دمشق مع عائلتها، قضت وقتها قرب المسبح في فندق شيراتون، و"لم تكن راغبة بأن تكون لها علاقة مع سوريا بأي شكل"، كما تقول صديقة لها. ولم يستغرب أحد حصولها على وظيفة في بنك "جي بي مورغان" حيث كان يُتوقع من الموظفين العمل 48 ساعة متتالية والنوم في مكتبهم. وتذكرها عاملون معها بأنها "رزينة ومهذبة ومطيعة" وكانت ترتدي بذلة سوداء، وعملت في مجال الإندماج والتملك، وهي وظيفة أفادتها كثيراً في سوريا. وخرجت في مواعيد مع موظف وتلقت عروضاً بالزواج، وظلت تعيش مع عائلتها رغم راتبها الكبير.
وكان لدى والدتها سحر، خطة طموحة، فقد ساعد عمها حافظ الأسد للوصول إلى السلطة، واستخدمت العلاقة للحصول على وظيفة في السفارة السورية في لندن. وكانت راغبة بتعريف ابنتها على بشار.
وبحسب سام داغر مؤلف كتاب "الأسد أو نحرق البلد"، التقى بشار وأسماء مرات عديدة عندما كان الأول طالباً في مجال طب العيون في تسعينيات القرن الماضي. وكان بشار الوحيد من بين أشقائه الستة يدرس في الخارج. ونظراً لعدم حبه للدم، قرر التخصص في مجال العيون، وهو تخصص لا يُقبل عليه طلاب الطب كثيراً، لكنه كان ماهراً في تجفيف الخراجات في العيون. وعلى خلاف شقيقه الأكبر باسل الذي كان يحب السيارات السريعة ودخل الجيش، كان بشار طالباً مجداً في دراسته، وواظب على حضور محاضراته في الجامعة، ولم يتأخر عنها وتجنب حياة اللهو كما يقول وفيق سعيد، الثري السوري الذي يعيش في بريطانيا.
وعلى خلاف والده الذي كان يتحدث بلهجة بلدته الفلاحية، كان بشار يتحدث بلهجة أبناء النخبة في دمشق. وواعد الفتيات، لكن قرار الزواج لم يكن بيده. وعندما توفي باسل في حادث سيارة العام 1994، أصبح مصير عائلة الأسد في يد بشار. ولم يكن بشار متزوجاً عندما توفي والده العام 2000، وأصبح رئيساً لسوريا بعد شهرين. وفي هذه الفترة كانت أسماء أسيرة مكتبها في "جي بي مورغان". وغابت فجأة لمدة أسبوعين من دون إذن، وعندما عادت استقالت من منصبها، وقررت عدم الذهاب لجامعة لمدرسة الأعمال في جامعة "هارفرد" التي حصلت فيها على مقعد للدراسة. وفي مقابلة لاحقة سألتها صحافية إن كانت تشعر بالندم لتخليها عن مقعدها فقالت: "من يفضل هارفرد على الحب".
وخارج فندق "شيراتون" تصبح سوريا أكثر تعقيداً، فهي عبارة عن جبال وطوائف وأديان، سيطرت عليها فرنسا من العثمانيين وظلت تواجه انقلابات بعد الاستقلال حتى 1970، حيث توقفت الانقلابات بوصول حافظ الأسد الذي حكم بالقوة وعبر شبكة من المخبرين الذين تنصتوا على الهواتف واضطهدوا المعارضين بلا رحمة. فعندما انتفض الإسلاميون في مدينة حماة العام 1982 قام النظام بتدمير أجزاء كاملة من المدينة. وعندما وصلت أسماء إلى سوريا العام 2000، كان حافظ الأسد قد مات، لكن إرثه كان واضحاً من المعمار على الطريقة السوفييتية وصوره التي تنتشر في كل مكان.
والحال أنه كانت هناك فرصة لإعادة ضبط العلاقة من جديد مع الغرب. وفي خطاب توليه الحكم، تعهد بشار بالإصلاح ومكافحة الفساد والسماح بالتعددية الحزبية. وبدأ الناس يناقشون وإن بحذر السياسة في دمشق. وكانت أسماء وجهاً جديداً لسوريا، مثل الملكة رانيا والأميرة ديانا. حيث ظهرت النساء الجميلات والباهرات كقوة للإصلاح.
وفي سوريا كان ظهورها مقبولاً أكثر من أي دولة عربية. وقال وفيق سعيد: "كنت أعتقد أن الجمع بين الإثنين سيجعل سوريا جنة". لكن كان على أسماء التعامل مع عائلة زوجها، وبالتحديد والدة بشار، أنيسة، التي كانت راغبة بزواجه في داخل العائلة لتقويتها مثل العائلة السعودية. واقترح البعض زواجه من سنية لتقوية رئاسته. وعندما فشلت بمنع الزواج، حاولت أنيسة إخفاءه، ولم يتم الإعلان في الجريدة الرسمية، وكانت حفلة الزواج متواضعة من دون صور في الأخبار، وتمسكت والدته بلقب السيدة الأولى وأصرت على وصف أسماء بـ"عقيلة الرئيس: وطلب منها التركيز على إنجاب الأطفال وعدم الظهور.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها