الدموع التي اعترت وجه غسان التويني لاغتيال ابنه النائب والصحافي جبران تويني، هي نفسها انسابت على خدّي السيدة سلمى مرشاق سليم، والدة الناشر والباحث لقمان سليم الذي اغتيل يوم الخميس الماضي.
أمام كاميرات الصحافة، جلست في كرسيها في الطابق العلوي تحدّق في الفراغ. وبلَفَتات قليلة، ارتدت حزنها بابتسامة خافتة ودمعة كانت أقسى من أن تحملها بين جفونها.
في كرسيها هناك، استقبلت الزوار المُعزّين والصحافيين والأقارب مذهولة الملامح، أو ربما كانت حاولت البحث عن ملامح في ظل الحدث المرير. تارة تنفعل برقة وثبات، وتغلبها في أحيان أخرى عليها مشاعر الأمومة، وتسترسل طوراً بموضوعية ملفتة. تحاكي سلمى، عقل القاتل، وعاطفته، تماماً كما فعل غسان تويني يوم دعا الى دفن الأحقاد.
الثابت في مشهد سلمى الممتد على الشاشات، هو الكرسي، وجلوسها الصامت الدافئ في صدر البيت، رغم البرودة التي تركها رحيل لقمان في الزوايا.
تتخطى دموعها لتستعيد ذكرى اغتيال كامل مروة، الصحافي اللبناني الذي كان قد قضى اغتيالاً لمّا كان زوجها محاميه الخاص. يومها، تمّت المماطلة بالقضية التي حكم عليها بأن تبقى بلا أحكام مبرمة. أما اليوم، فتستودع سلمى ابنها، مؤكدة أنها لن ترضى بتكرار هذه المماطلة في قضية لقمان.
لم تغزل سلمى مرشاق، من موت ابنها، دوائر أحقاد، بل تنتظر ما انتظره غسان تويني، عدالة السماء: "القتلة أنا مش حأعملهم حاجة، أنا بصلي لربنا ينتقملي منهم، من اللي نفذو ومن اللي أعطوا التعليمات".
تسامى غسان تويني على آلامه بفقدان ابنه، يوم دعا الى الحوار والوحدة وتخطي الأحقاد التي اعتبرها الوسيلة الوحيدة للوصول الى الحرية.. واليوم يتكرر المشهد نفسه، صادقت سلمى على هذه النظرية حين طرحت تساؤلها حول سبب قتل لقمان: "عشان ايه؟ استفادو ايه؟"
في الشاشات، تتنحى من مكانتها كأمّ، وتضع آلامها جانباً في حين تعد الخسائر التي مُنِيَ بها لبنان بفقدان لقمان سليم: "ضيعوا طاقة كانت موجودة للبنان"، فهو الكاتب والباحث والعارف الذي تلقى الرصاصات الست في رأسه وظهره.
كان لقمان يدرك معادلة الترهيب. لطالما قال إنه لا يخاف الموت. واجه قاتله قبل ارتكاب الجريمة، ولم ينصع لتهديدات تلقاها على شكل عبارات مكتوبة على جدار منزله. كان "شهيداً حياً". يعرف أن ثمن المواجهة سيكون دماً، وثمن الحرية سيكون حياته.
تدرك سلمى تلك الحقائق. لم تتهم أحداً، رغم مخاطبتها القتلة، الا أن لغة التحسر عليهم، كانت الأكثر حضوراً: "الناس الحضاريين بتتحاور بتتناقش ممكن تختلف في الرأي لكن مش اللجوء للسلاح هو الحل". تقول هذه العبارات وهي تحافظ على هدوئها مندفعة بشغف لتطرق أبواب العقول، باحثة عن حل لمعادلة كاتم الصوت في وجه الصوت الحر.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها