الا أن الحريري لا يرى من المشاكل الحقيقية التي يعانيها أهل طرابلس، إلا أعمال التكسير، متناسياً أنهم مجرّدون من كل وسائل التعبير. فقد ازدادت مؤخراً حالات التشرد، ما جعل هؤلاء حالة تعبيرية في حد ذاتهم، وإن لم يفصحوا عن أوجاعهم.
ثم تتدخل "الأيادي الخفية" في ما يجري من انتفاضة على الجوع. هي ليست انتفاضة بغرض التغيير. إنها ثورة خبز، اندلعت يوم عزّت الدولة عن الجياع خبزهم. يتسلل "طابور خامس"، بحسب ما تقول مداولات في مواقع التواصل لتعفي السياسيين من مسؤولياتهم، ليأتي الرد عليها من سكان المدينة:
"نسبة الأمّية في طرابلس ارتفعت الى مستويات قياسية"، يقول أحدهم، ويشير الى أن نسبة الفقر ارتفعت من 50 الى 80 في المئة في المدينة. وحدها تلك الأرقام قادرة على دحض كل الذرائع بأن طرابلس تتحرك "بأيدٍ خفية". في ذلك، ردّ مباشر على تصريحات الحريري، وتصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي أوحى أيضاً بمؤامرة، ومحاولة استغلال حراك الجوع في السياسة. ويختصر الحال في قوله: "فجرتوا لبنان، وفجرتوا بيروت ودمرتوها وعم تحاسبني على جرّة".
والحال أن حملات الدعم كانت أكبر من قدرة المروجين على تهشيم شكل الحراك، أو ترك ندوب في وجه انتفاضة جياع. فيما أحجمت شاشات السلطة عن نقل الوقائع، وتحديداً "أو تي في" و"تلفزيون لبنان" و"المنار" و"ان بي أن"، ونقلت "ام تي في" الصورة في منتصف الشاشة.
حاولت "الجديد" الوقوف في صفوف المتظاهرين، ناقلة اعتراضهم على "البطش الأمني" الذي ظهر في إصابات متعددة وحالات الهلع التي سُجّلت في صفوف المتظاهرين. يقول مذيع الجديد: "يجب أن تكون هناك تدابير عاجلة لوقف هذا الحرمان.. هذا ما يقطع الطريق امام الاحتجاجات".
في المقابل، فتحت "ال بي سي" الهواء لتسجيل مشهد متواصل، ووقعت في صراع بين رسالة المراسل في الميدان، والتعليق داخل الاستوديو. مراسل الأرض يتحدث عن استخدام رشاشات من قبل القوى الأمنية، في حين كانت المذيعة تحاول وَصف ما يتحدث عنه المراسل بأنه رصاص مطاطي!
حرب الأرض، توازيها حرب المساحة الافتراضية في مواقع التواصل. تحول هؤلاء الى صوت للناس، أولئك الذين خُنقت أصواتهم في الميدان. أعربوا عن استيائهم مما يكتبه الآخرون حول متظاهري طرابلس، واصفين إياهم بأدوات النظام. ويؤكد مصطفى حموي أن "هذا التجرد من الإنسانية هو ما علينا جميعاً أن نكافح ضده.. هؤلاء أناس حقيقيون لديهم مشاكل حقيقية ".
في مقابل بيانات قوى الأمن والجيش، تظهر المشاهد الوافدة عن العلاقة المتذبذبة بين الجيش والمتظاهرين، إذ ينشد المتظاهرين في الفيديو الأول "الجيش والشعب ايد واحدة"، في حين يُظهر لنا الفيديو الثاني فرار المتظاهرين من عناصر الجيش.
"القوة للناس القوة لطرابلس". هكذا تعلق نيلا بحصلي عبر حسابها في "تويتر"، حيث تشير الى الحرمان الذي رزحت تحته طرابلس لسنوات، بينما كانت أفواه الناس مغلقة تماماً حول هذه المسألة. تُضيف البحصلي "دعوا الناس يأخذون عدالتهم. دعوهم يحرقون كل شيء هنا".
وكأن هذا الحرمان كله لم يعد يكفي، وبات يُعالج ببطش من السلطة. هؤلاء إذا لم تُزهق أرواحهم جراء فيروس كورونا أو الجوع، تُزهق بالمواجهات في الشوارع.
بفقدان الشاب عمر طيبا، الذي توفي جراء اصابته خلال اشتباكات الاربعاء، يتصاعد الغضب ويتفجّر في مواقع التواصل، فمنهم من يستهزئ بالداعمين الافتراضيين، ومنهم من ينعي الشهيد عمر، ومنهم من يوجه دعواته للنزول والتظاهر من جديد. قد تكون هذه الصدمة كفيلة بإعادة النبض الى الشارع في المناطق المختلفة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها