التقدير الذي حصلت عليه القاضية جوسلين متى، إثر الاعلان عن حكم قضائي "متقدم" بحق قاصر مذنب أساء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، كشف عن مسار قضائي جديد في لبنان لمواجهة الجرائم المعلوماتية، وهي القاضية نفسها التي أصدرت في السابق حكماً على قاصرين بقراءة آيات من القرآن الكريم، ونالت التقدير نفسه، منطلقة من خلفيتها كأمّ لأطفال أيضاً.
وكشف الحكم القضائي الذي بدأ إعتماده قضاة التحقيق في الشمال، جوسلين متى وداني الزعني، عن مسار قضائي جديد في التعامل مع القاصرين. ففي خطوة لافتة، إستعاضت القاضية متى عن توقيف شاب، مارس الإبتزاز عبر وسائل الإجتماعي، بعقوبة منعه من إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي أو حيازة هاتف أو استخدام كومبيوتر لمدة ستة أشهر.
ضحية تحرّش أم هاكر؟
مصادر مطلعة على تفاصيل الملف قالت لـ"المدن" إن كل شيء بدأ مع إبن بلدة رحبة القاصر (15 عاماً)، والباحث عن أكبر عدد من اللايكات وطلبات الصداقة. فقد كان القاصر يقوم بتغيير بعض إعدادات حسابه لفترة مؤقتة، فيضع صور فتيات مثيرات، لكنه سرعان ما كان يعيد حسابه إلى الحالة الأصلية ويتباهى بجماهيريته وسعة إنتشاره.
بعد ذلك بدأ القاصر، المتلبس في شخصية فتاة، يتعرض لتحرشات عبر "فايسبوك"، حيث كان بعض الرجال يرسلون للفتاة الحسناء المفترضة رسائل عبر "ماسينجر".
وجد الفتى في ذلك فرصة لجني بعض الأرباح، فبدأ يطلب من محادثيه إرسال بطاقات تعبئة الوحدات للهاتف الخلوي، لقاء متابعة المحادثة، وبعد الحصول على طلباته يقوم بوضع "بلوك". ووصلت المحادثات الحميمة إلى قيام بعض المراسلين بإرسال صور فاضحة.
بعد تراكم بطاقات "تعبئة الوحدات الخلوية" مع الشاب، بدأ يروّج لنفسه في أوساط القرية العكارية على أنه "هاكر"، ويمكنه الحصول على عدد كبير من هذه البطاقات. عندئذ تبلغت الأجهزة الأمنية بشأنه، فسارعت إلى توقيفه وإحالته إلى قاضي التحقيق في الشمال.
بعد التحقيق معه بموجب ادعاء فرع المعلومات، قررت القاضية جوسلين متّى تركه لقاء منعه من استخدام هاتفه وأي أجهزة إلكترونية لمدة ستة أشهر. لكن القاصر كان يواجه ادعاء آخر من قسم جرائم المعلوماتية، وتفيد القاضية متى بأن القاضي داني الزعني، وعند تبلغه بمضمون قرارها، إتخذ المسار القضائي نفسه في 23 تموز الحالي.
وبعد إبلاغ القاصر مضمون القرار، إستدعت قاضي التحقيق في الشمال، والد القاصر، وأفهمته مضمونه وطالبته بالتوقيع على تعهد.
مسار قضائي جديد
القرار ليس الأول بالنسبة للقاضية متى، فقد سبق لها أن ألزمت شباناً قصَّر قاموا بسبّ السيدة العذراء عبر مواقع التواصل الإجتماعي، بحفظ آيات من سورة آل عمران، وهو قرار أصدرته في 8 شباط 2018. وتشير إلى أنه قرار لاقى ترحيباً كبيراً في الأوساط الحقوقية بعدما نشره نقيب المحامين الحالي، محمد المراد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتؤكد القاضية متى لـ"المدن" أنها "قبل أن تكون قاضية، هي أمّ لأربعة اطفال، وتضع نفسها مكان أمّ القاصر المتّهم"، وهي تعتقد أن على القضاة تحقيق العدالة الرادعة والأخذ في الإعتبار الجوانب التربوية.
وبدأت القاضية متى مسيرتها القضائية في معهد القضاة العام 1997، وتخرجت في دورة الشهداء القضاة العام 2000، لذلك فهي لا يمكنها الا أن تلتزم بمسيرة الآباء المؤسسين للقضاء اللبناني وأن تبدع قرارات تحقق في النهاية قيم العدالة والإنصاف.
وإنطلقت القاضية متى من المادة 111 أصول محاكمات جزائية، التي تتيح لقاضي التحقيق هامشاً واسعاً من السلطة الإستنسابية واتخاذ القرارات التي يراها مناسبة. وتشير متى إلى ان مجمل القضاة كانوا يتّجهون لفرض الكفالة المالية، إلا أنها وجدت أن القاعدة القانونية تعطي الكفالة على سبيل المثال وليس الحصر، ويمكنها أن تمنع من ممارسة بعض المهن أو ارتياد بعض الأماكن، لذلك إجتهدت متى واتخذت قرارات جديدة ذات أبعاد تربوية، خصوصة عندما يكون المدعى عليه قاصر ويحتاج الى حماية.
تقر القاضية متّى ان مواقع التواصل الإجتماعي فتحت أبواب واسعة للتحرّش من جهة، وللإبتزاز من جهة أخرى. لكنها تعتبر أن هناك حاجة لاتخاذ خطوات رادعة في مواجهة هذه الجرائم، وعدم الاكتفاء بالجانب المالي. من هنا يمكن إعتبار قرارها خطوة أولى في مسيرة فرض العقوبات الإصلاحية، التي تأخذ في الإعتبار الجوانب النفسية والإجتماعية، وتقي القاصر شر سلوكياته المتهورة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها