خلال العقد الأخير، دخل لبنان مرحلة الفضاء السياسي الإفتراضي، حيث تحولت مواقع التواصل الإجتماعي إلى حيز عابر للزمان والمكان، وتحفل بالنقاشات والمنتج الدعائي، بالإضافة إلى التسابق على التريند وترسيخ التنمّر الإلكتروني من خلال جيوش الذباب الإلكتروني.
هذا الواقع، يدفع لطرح إشكالية إمكانية تطبيق نظام "الإنتخاب من بُعد في لبنان" وإمكان تطبيق التصويت الإلكتروني بعدما فشل نظام التعليم من بعد، وتحديداً في ظل أخطبوط الأزمات التي يعيشها لبنان، من أزمة المحروقات، إلى سوء شبكة الإتصالات، إنعدام الشفافية، وخطر الإختراق والتزوير. وقد وردت هذه الاشكالية خلال ورشة عمل نظمتها "مؤسسة مهارات" للتدريب على تغطية الانتخابات في لبنان، الاسبوع الماضي.
ويأتي هذا الطرح بموازاة شيوع فرضية جديدة حول إمكانية تجاوز المشاكل التي تطرحها الإنتخابات اللبنانية، على ضوء المزايا التي تفرضها الثورة الرقمية، وإتاحة "التصويت الإلكتروني".
ولهذا الطرح إيجابيات وسلبيات كثيرة على غرار الأساليب الأخرى المتاحة، وربما تأتي في مقدمتها المعارضة السياسية والمنظومة القائمة بالضد من أي إصلاحات جذرية. ومَن أسقط طرح "الميغاسنتر" والسماح للمواطن اللبناني الإنتخاب من مكان إقامته وليس قيده، لن يتأخر في إطاحة طرح إنقلابي على الصيغة التقليدية الراسخة.
التصويت الإلكتروني للتأهيل
لجأت مجموعات سياسية مختلفة لإقرار التصويت الإلكتروني من بُعد لإختيار وتأهيل المرشحين في الدوائر الإنتخابية في لبنان، بما يتيح للمواطنين المسجلين، سواء أكانوا مقيمين أو مغتربين، المساهمة في تسمية المرشحين "الأكثر تمثيلاً". هذا الطرح بدأ بتطبيقه تحالف "شمالنا" أي إئتلاف الأقضية الأربعة في شمال لبنان – الدائرة الثالثة- المؤلفة من أقضية بشري، زغرتا، الكورة، والبترون. وبحسب الفيديو التعريفي الذي نشرته الحملة، يمكن للناخبين في الأقضية الأربعة، المقيمين والمغتربين، الإنتخاب من خلال "الرابط الذي تنشره الحملة على مواقع التواصل الإجتماعي للتسجيل في الإنتخابات التمهيدية".
بعد ذلك يتلقى الناخب رسالة تأكيد للتسجيل، وفي يوم الإنتخابات يمكن للمسجل التصويت عبر الإنترنت أو حضورياً. وعند إنتهاء عملية الإقتراع، سيشارك "تحالف شمالنا" لائحة مرشحيه للإنتخابات في المجلس النيابي 2022.
يفتح هذا النمط من التصويت، التفاعل بين المرشحين والناخبين المغتربين، في هذه الدائرة التي تسجل فيها أكبر عدد من اللبنانيين في المهجر، بمعدل حاصلين إنتخابيين. الأمر الذي سيفتح الباب أمام خرق جدي في هذه الدائرة، في حال تمكن تحالف "شمالنا" من تعبئة أعداد كبيرة من الناخبين في الخارج وتحقيق الحاصل الإنتخابي.
العائق التشريعي
يفتح إقتراح تطبيق نظام الإقتراع الإلكتروني الباب للسؤال عن إمكانية لتطبيقه على المستوى اللبناني العام. يؤكد د.علي مراد (كلنا إرادة) لـ"المدن" أن أي تعديل في قواعد الإنتخابات يتطلب تعديل القانون، وهذا الأمر غير ممكن في الفترة المتبقية من الآن ولغاية الموعد المقرر للإنتخابات النيابية في أيار/مايو 2022. لذلك فهو لا يعتقد أن هذا الطرح ممكن على المستوى العام حالياً، إلا أنه من الممكن طرحه لاحقاً للتطبيق مستقبلاً في الإنتخابات المقبلة (اللاحقة).
يشير مراد إلى إتجاه عالمي ليكون "التصويت الإلكتروني تكميلياً" لأن "هناك هدفاً من إنتقال المواطنين إلى مراكز الإقتراع للإدلاء بأصواتها، مع أن جائحة الكورونا طرحت إحتمالات جديدة"، مؤكداً أن "التصويت الإلكتروني التمهيدي بهدف ترجيح المرشحين للإئتلافات السياسية، هو أمرٌ إيجابي لتجاوز الخلافات عند تشكيل اللوائح".
ليست إصلاحاً
يؤكد علي سليم، المدير التنفيذي لجمعية LADE (الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الإنتخابات) لـ"المدن" أنه لا يمكن تصنيف الإنتخابات من بُعد، ضمن خانة "الإصلاح" لأن هذا النظام "يلغي سرية الإنتخاب ويؤدي إلى ضغوط كبيرة وواسعة النطاق من قبل المجموعات والأحزاب السياسية على الناخبين"، لأن "الناخب أو الناخبة لا يكون حراً كفاية، خلافاً لفكرة دخولهم خلف المعزل للإنتخاب". كما يلفت سليم إلى أن "النظام هذا يفتح الباب أمام فوضى عارمة، ويعرض نزاهة وديموقراطية العملية الإنتخابية للتشكيك، ويضعها على المحك".
يعبّر سليم عن موقف سلبي تجاه النظام الإنتخابي من بُعد، ويقترح النظام الإنتخابي الإلكتروني الذي يسمح للناخب بالدخول خلف المعزل، لافتاً إلى أن أحد الإصلاحات التي تطالب بها الهيئة هي إقامة "الميغاسنتر" الذي أسقطته الأحزاب في مجلس النواب، وكان أمراً ضرورياً في ظل أزمة المحروقات التي يعيشها لبنان، ويؤمن المساواة لكافة الناخبين والمواطنين. فهذا النظام يتيح للناخب التوجه إلى أي مركز قريب من مكان سكنه.
يخلص سليم إلى أن "الإرادة السياسية ضرورة لإقرار الإصلاحات في لبنان"، وعلى بعد 4 أشهر من الإنتخابات هناك صعوبة لتعديل القانون الإنتخابي وإدخال الإصلاحات، وهذا الأمر قد يفتح الباب لتأجيل الإنتخابات، معلناً تمسكه بإجراء الإنتخابات في مواعيدها المقررة في أيار 2022، وعدم تجاوزها على أن يتم العمل على الإصلاحات مستقبلياً. ويؤكد أنه لا خوف على إجراء الإنتخابات في موعدها، على الأقل بسبب واقع الإنهيار المالي، لأن "الجهات المانحة تساعد وزارة الداخلية في تأمين التمويل".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها