وأثبتت دراسة ميدانية أعدتها د.وديعة الأميوني، ود.كلود عطية من معهد العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية، أن "الكف عن إستخدام شبكة الإنترنت غير ممكن، وصولاً إلى حد الإدمان"، وأن "عالم اليوم أصبح عالم الانترنت والتواصل الإجتماعي الذي يأخذ الإنسانية إلى مرحلة جديدة". كما أظهرت وجود الانترنت في المنزل لدى ما يزيد عن 75% من سكان لبنان، وجزم 85% من المستطلَعين إستحالة التفكير في التوقف عن إستخدام الانترنت، وأن 70% منهم يستخدمون انترنت غير مراقب من الأهل. كما جاء إستخدام الانترنت في مقدمة أنشطة التسلية. وأُنتج تقرير بدعم من مؤسسة "مهارات" ومنظمة "Hivos" ضمن مشروع We Lead حول هذه القضية.
أطباء مؤثرون
فتح الفضاء الرقمي ووسائل التواصل الإجتماعي الأبواب واسعة أمام الأطباء والمعالجين النفسيين وعلماء الإجتماع من أجل التوعية على الصحة الإنجابية والجنسية، ومحاربة المفاهيم والممارسات الخاطئة. وتُعتبر د.ساندرين عطا الله، حالة نموذجية في مجال التوعية، إنطلاقاً من شاشة "المؤسسة اللبنانية للإرسال" في برنامج "لازم تعرف" في العام 2010 بالتعاون مع د.لبيب غلمية، وصولاً إلى عصر منصات الإعلام الجديد حيث تنشط إلى جانب عملها العيادي.
تؤكد ساندرين عطا الله أن الجمهور "بات أكثر تقبلاً ممّا كان عليه في العام 2007 تاريخ إنطلاق مسيرتها، وكذلك بالنسبة إلى مستوى الوعي"، وتشدد على أولوية التوعية وليس الظهور في الشاشة، ومحاربة المعتقدات الخاطئة التي توجه سلوك الشباب والأزواج، مشيرةً الى أنها لا تصنّف نفسها في إطار "البلوغرز" وإنما "واكبت التطور في عالم الإعلام".
تشير عطا الله إلى أنها تعد الفيديوهات والمنتجات الإعلامية بالتعاون مع منظمات حقوقية وإعلامية، وكذلك خلال مشاركتها في مؤتمرات طبية دولية، وتمكنت من الوصول إلى شرائح كبيرة في الوطن العربي وتحديداً في صفوف الشباب، ملاحظةً "مكابرة" شريحة واسعة من الجمهور، فهم لا يعترفون بالمفاهيم الخاطئة حول الجسد، الجنس والزواج، ولا يمتلكون الجرأة لمناقشة تلك المواضيع "التابو".
تقدّم عطا الله محتوى متنوعاً، مرّات في صيغة سؤال وجواب، وأحياناً كمقابلات و"بودكاست" مع خبراء ومتخصصين في الصحة الجنسية والإنجابية، ليتم نشرها في منصات مختلفة من بينها صفحات التواصل الإجتماعي لتصل أكبر شريحة من المتابعين. وتعتبر أن "تصحيح الجنس الخاطىء هو مقدمة لحياة زوجية مستقرة"، مركزةً على مكانة المرأة في العلاقة، فهي "شريكة كاملة في الحياة الزوجية، يجب أخذ حاجاتها في الإعتبار، وعدم التعامل معها كمتلقية يمكن تجاهل مشاعرها وأهوائها"، مؤكدةً "أولوية الوعي وليس لعدد المُشاهدات، فربما يشاهد الفيديو 50 مليون شخص، من دون أن تُحدث أي أثر".
لا تمر تجربة ساندرين عطا الله، من دون إنتقاد، لتتحول البوستات إلى فضاء للنقاش الحاد. تعتقد عطا الله أن جزءاً كبيراً من السلبية يأتي من الخلفية الثقافية الذكورية، متسائلةً: "لو كنتُ طبيباً ذَكَراً، هل كانت تعليقات هؤلاء لتبقى هي نفسها؟".
وتلفت عطا الله الى أنها إعتادت على ذلك منذ أيام الدراسة. وعلى الرغم من ذلك، ترى عطا الله أن "النقاش الذي يدور حول هذه المحتوى يمكن أن يكون عاملاً إيجابياً في نشر الوعي حول قضايا لطالما صُنّفت من المُحرَّمات".
تنفي عطا الله إفتعال الإثارة في الفيديوهات والمنتجات الإعلامية التي تعدها وتقدمها، وتجزم أنها تعمل إنطلاقاً من معايير علمية ومهنية، متحدثةً عن نجاحات تمكنت من تحقيقها في نشر الوعي بين الإناث والذكور حول الصحة الجنسية والنفسية، وكذلك الأمراض الجنسية الإنتقالية والسرطانية، وكذلك ضرورة اللجوء إلى الجنس الآمن.
قدّم الإعلام الجديد إمكانية ظهور منصات إخبارية نسوية تهتم بقضايا المرأة، وتشكل التوعية على الصحة الإنجابية والجنسية واحدة من إهتماماتها. وخلال العقد الماضي، ظهرت منصات عديدة في لبنان، وتعتبر "شريكة ولكن" واحدة منها، حيث تلفت الناشطة زهراء ديراني إلى أن هذه المنصة النسوية "بدأت بنشر سلسلة من الفيديوهات التوعوية التي تعكس سياسة التحرير المهتمة بتغطية قضايا النساء وتقدم محتوى نسوى متعدد الوسائط: فيديو، بودكاست، إنفوغرافيك، وغيرها إنطلاقاً من الإطار العام للمنصة".
كما تتطرق إلى الدور الذي يمكن لوسائل التواصل الإجتماعي أن تؤديه، فقد أسهمت في توسيع نطاق المستهدفين من حملة "صحتك وحقوقك الجنسية شي بيخصك" التي شاركت في إعدادها المنصة لمناقشة مواضيع "تابو" تتصل بالصحة الجنسية والإنجابية لدى النساء. وتضيف أن المنصة لجأت إلى TikTok من أجل نشرها، محققةً أكثر من 50 ألف مشاهدة.
وتشير إلى ضرورة نشرها عبر الشبكات الإجتماعية لأنها أمور "لا تتم مناقشتها في الحياة اليومية بسبب تصنيفها ضمن التابو"، كما أن "المواقع تؤمن مساحة خاصة، يمكن لكل مستخدم متابعتها على إنفراد من دون التعرض للوصم، أو الخوف أو المحاسبة".
أثبتت أبحاث معهد العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية، المكانة التي يحتلها العالم الإفتراضي في حياة المستخدمين، وشدة تأثيره في العلاقات الأسرية والإجتماعية، ودوره في إشباع حاجاتهم النفسية والفيزيولوجية. وتعتقد د.لبنى عطوي (مختبر علم إجتماع العائلة) أن هناك ضرورة لإستخدام كافة الموارد المتاحة لمحاربة الظواهر ذات الصلة بالصحة الإنجابية والجنسية على غرار التزويج المبكر"، مشددةً على أهمية دور المنصات الجديدة ووسائل التواصل الإجتماعي في التوعية، لأنها تمتاز بسرعة الإنتشار مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية، كما أن "الجمهور الأكبر للإعلام الجديد هم من فئة الشباب".
محاذير
تدعو عطوي للإعتماد على متخصصين عند إنتاج المحتوى، سواء في مجال الميديا والعلم لضبط المخرجات وإيصال الرسالة إلى الجمهور وإقناعهم. وتشدد على أن يكون الشخص "مقدم المحتوى" من أصحاب الخبرة لتقديم المعلومة الدقيقة، متحدثةً عن محاذير لأن "الإعلام الجديد فتح الفضاء لكل من يريد الكلام. ويظهر عبر بعض المنصات، أشخاص ليسوا من أصحاب الإختصاص والمعرفة، ويروحون يسدون النصائح والإستشارات للجمهور من دون إدراك بتأثير ذلك في الأفراد".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها