ومن النادر أن يستند منتج تلفزيوني إلى عنصر الفوضى كقيمة أساسية، بدلاً من الموضوعات الأسهل، مثل الحب والصراع والانتقام وغيرها، كما أنها من أصعب الموضوعات التي يمكن معالجتها لأنها تحمل داخلها كل القيم الأخرى بشكل متضارب. وبالتالي تحتاج إلى ذكاء وقدرة عالية على الكتابة والتنفيذ، وهو ما ينجح فيه أصحاب العمل روب ثوماس وديان روغيرو رايت، بإتقان.
وتتراوح الفوضى في العمل بين المستوى الشخصي لكل زومبي وحياته القديمة كبشري طبيعي، وتحديداً ليف في علاقاتها العاطفية والعائلية المعقدة، وبين المستوى العام مع انتشار "وباء الزومبي" في كل مكان، لتشكيل أساس عالم الجريمة والسلطة الجديد في المجتمع.
يشكل العمل تطويراً للمسلسلات البوليسية التقليدية، مع تحول ليف (روز مكلفر) من طبيبة إلى العمل في مشرحة تابعة لجهاز الشرطة المحلي في مدينة سياتل، حيث تستطيع بسهولة الحصول على الأدمغة البشرية كي تتناولها، وترد الدين للمجتمع بمساعدة الشرطة في حل الجرائم المعقدة، عبر ومضات من الذكريات تأتيها كنتيجة ثانوية لتناول دماغ الضحية، فضلاً عن استلهامها خصائص الضحية نفسها، مما يجعل الحلقات شديدة الاختلاف عن بعضها، مع وجود خط واحد يجمع القصص المنفصلة معاً.
ينتظر أن يتطور هذا الخط نحو ثورة الزومبي على الجنس البشري في الموسم الثالث المرتقب خلال العام 2017، على شبكة "The CW" الأميركية وخدمة "نيتفليكس".
والحال أن العمل فريد من نوعه. فلا عمل يشابهه من قبل ضمن ذات الإطار البوليسي، بما في ذلك "غوست ويسبرر" الذي يتعامل مع عالم الأشباح أو "فيرونيكا مارس" الذي يقدم نموذج المحققة المستقلة نفسه، ومن الذكاء الاستناد إلى فكرة الذاكرة الخلوية للضحايا كمفتاح لحل الجرائم بدلاً من الرؤى التقليدية والرسائل من العالم الآخر، بشكل يذكر قليلاً بفيلم "The Eye" من بطولة جيسيكا آلبا.
وللمرة الأولى ربما في تاريخ السينما والتلفزيون، يمكن للمشاهد أن يقع في غرام "زومبي"، هذا المخلوق نصف الحي ونصف الميت، المخيف ليس بسبب عنفه وشرّه وأكله للأدمغة البشرية كغذاء رئيسي، بل بسبب طبيعته المزدوجة المرتبطة بأكثر ما يخشاه البشر وهو الموت، رغم أن كثيراً من الإنتاجات استطاعت تحسين صورة كائنات مخيفة أخرى بداية من مصاصي الدماء مروراً بالأشباح وليس انتهاء بالساحرات والغيلان والمستذئبين.
ثنائية الموت والحياة تظهر بشكل واضح في اسم بطلة العمل "ليف"، وهو اختصار لاسمها ما قبل التحول "أوليفيا"، ليطابق لفظياً الفعل يعيش باللغة الانجليزية "Live"، عش أكثر يصرخ اسم البطلة طوال جزئي العمل، ولا تخف من الحياة حتى لو كنت نصف ميت، ومع تقدم العمل وتعدد نماذج الزومبي المطروحة، يصبح الزومبي الجيد هو الزومبي الذي يساهم في خدمة المجتمع بغض النظر عن كونه مختلفاً عن الجنس البشري، وهي مقاربة لجدلية موازية تطرحها وسائل الإعلام في الواقع حول المختلفين والأقليات، ضمن فئات لا تنتهي (عرقياً، جنسياً، قومياً..).
بموازاة ذلك، يعزز المشهد البصري للعمل هذه الثنائية، تحديداً في الألوان التي تقسم الشاشة دائماً إلى قسمين متناقضين، بين الخلفية والشخصيات، مع تحول شخصيات الزومبي إلى لون باهت يفقد الحياة، مع تذكير دائم بأصل المسلسل من سلسلة "كوميكس" تحمل العنوان ذاته، بافتتاح كل مشهد بصورة ثابتة (ميتة) مستوحاة من الكوميكس قبل أن تضج فيها الحياة فجأة، عبر التحريك التلفزيوني الذي يماثل الحياة.
في ضوء ذلك، يمتلك المسلسل كافة عناصر النجاح، التي جعلته يحظى بتقييمات عالية في المواقع العالمية، مثل "روتين توماتو" الذي يجمع الأراء النقدية المحترفة بشكل خلاصة التقييمات (92% للجزء الأول و100% للجزء الثاني)، ولا تتوقف تلك الخصائص عند الفكرة المبتكرة وتقديم الزومبي بشكل مختلف، بل هناك ذكاء حاد في كتابة النص والحوارات، التي تميل للكوميديا السوداء، مع تقديم نظرة تقييمة لحال الجنس البشري عبر مقارنته بنقيضه - الزومبي، بالحديث عن مشاكل طازجة تعانيها المجتمعات الحديثة في العام 2016، وليس تقديم طروحات اجتماعية قديمة ومستهلكة.
اللافت هنا أن العمل لا يتجه للإثارة البصرية، بل يبدو شديد الواقعية والبساطة، حتى في تحولات الزومبي ضمن أطوار مختلفة، بفعل الجوع أو الغضب، والتي لا تتعدى تحول العينين إلى اللون الأحمر وتحول البشرة إلى اللون الأبيض، بشكل يعاكس أفلام الأبطال الخارقين الرائجة والمسلسلات المماثلة التي تعتمد فكرة التحقيق والجرائم بطرق ميتافيزيقية، وهنا تكمن قوته الأساسية في جعل المستحيل ممكناً بشكل يسهل تقبله من قبل الجمهور.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها