** لا شروط بمعنى أن أتنازل عن استقلاليتي ومهنيتي، ولا أعتقد أن هناك تنازلات. لي تجارب إعلامية قديمة وطويلة مع الحركات الجهادية في بلدان عديدة قبل بدء الصراع في سوريا. أما تجربتي مع "جبهة النصرة" فكانت نتيجة ثقة متبادلة بيني وبين قادة الجماعة، ولم تتدخل "جبهة النصرة" في طبيعة التصوير والإخراج والإنتاج، وقضيت معهم قرابة الشهرين: أنام معهم وآكل معهم. كانوا لطفاء للغاية وعوملت باحترام حتى أني خجلت من حُسن الضيافة، وهذا لا يعني أن أنحاز للجماعة، فهم يعلمون أنني لا أتفق معهم سياسياً وفكرياً. وبالنسبة للدولة الإسلامية فعاملوني باحترام كبير ولم يتدخلوا في عملي إلا للمساعدة، ولم يكن هناك أي اتفاق أو مساومة بل كانوا سعداء جداً بوجودي كأول صحافي يدخل مناطقهم.
* برأيك ما الذي يدفع "النصرة" ومن قبلها "داعش" إلى قبول الظهور أمام كاميرا غربية خارج نطاق مؤسساتهم الإعلامية؟ ما الذي تجنيه هذه الجماعات من هذا الظهور الإعلامي؟
** أعتقد أن الظهور الإعلامي لأي جماعة مهم، لكن هذه الجماعات تخشى أن يتم إظهارها بطريقة لا تريدها. لم أر تقريراً واحداً يداري هذه الجماعات أو يقول كلمة صالحة بحقها، بل على العكس تهاجم كل وسائل الاعلام هذه الجماعات وتتبع أسلوباً غير نظيف في توصيف شيطنتها. وهي غير جادة في التعامل معها وإيصال صوتها بأمانة. وهذا ما لا يمكن أن أقوم به أنا، إذ أعمل على رسم ما يجري على الأرض فأصور ما أريد وأنقل ما يجري، ولا أرغب أن يرسم لي أحد خطوطاً حمراء لوصف هذه الجماعات، فأنا احاول فقط إظهار حقائق صحيحة يريد الجميع إخفائها.
* لكنك تُتّهم عادة بتلميع صورة الجماعات الجهادية وبالتحديد بعد أفلامك التي تناولت داعش من الداخل؟
** كل أعمالي التي لا يوجد بها ذكر للحركات الجهادية تمر من دون نقد أو تجريح، لكن عندما يتعلق الأمر بالحركات الجهادية تنهال الاتهامات ضد العمل وصاحبه. قدمت أعمالاً عديدة عن حركات تمرد مختلفة وعن "أعداء للدولة الإسلامية" كحزب العمال الكردستاني وعن حركات غير دينية والتقيت كل فصائل الثورة السورية. وفي فيلمي الوثائقي (اليمن دولة فاشلة) التقيت الحوثيين والحراك الجنوبي واللجان الشعبية والجيش اليمني ولم ألتق "تنظيم القاعدة". لكن لو نظمنا لقاء واحداً مع القاعدة لقامت الدنيا ولم تقعد.. وهذا هو النفاق.
أخسر غالباً فريقين: محور العمل الذي أصوره أي التنظيمات والدول عندما لا ترضى عن نتيجة أعمالي، وأعداء هذه التنظيمات التي ترفض العمل وتهاجمني. فأنا شخصياً أتحدث مع جميع أطراف النزاع وهذا هو المنطق والعدل وروح المهنية والاستقلالية. وماذا تسمي الصحافيين الغربيين الذين يرافقون الجيش الإسرائيلي في عملياته القتالية أو الوحشية؟ وكم عدد الأفلام الوثائقية الأميركية التي رافق معدوها القوات الأميركية في أفغانستان والعراق وأظهرت الجانب الآخر بالوحشي والمجرم ومصاص دماء والجاهل والغبي؟ مئات الأفلام والتقارير تعد من طرف واحد وتترك الطرف الاخر من دون الاستماع إليه.
الجهاديون نتيجة طبيعية للقمع!
* تتوجه في أفلامك عن الجهاديين تحديداً إلى جمهور غربي ناطق بالانجليزية، ما هي الرسائل الذي تريد إيصالها لهم من هذه الأفلام وكل هذا النشاط؟
** يجب أن يعلم الغربيون أن الحركات الجهادية لم تسقط من السماء. هناك أسباب ومكونات لهذه الجماعات وأولها غضب عارم في الشارع الإسلامي من الغرب الذي دعم لعقود طويلة الحكام العرب وتحالف مع إسرائيل، ثم دعم بقوة أنظمة القمع العربية التي قامت بتحريك ثورات مضادة لثورات الربيع العربي. لذلك كان من الطبيعي ان يلتحم الشباب العربي بالحركات الجهادية بعد تقويض الإسلام السياسي وقمع الأحزاب الإسلامية بقوة من قبل عدد من الأنظمة العربية، كما أن تنظيم القاعدة نفذ عمليات متنوعة ضد الوجود الأميركي في الوطن العربي واستطاع شن هجمات نوعية طالت القواعد الأميركية في قلب الخليج العربي ما بعث برسالة للشباب الإسلامي المتحمس بأنهم من يقود الجهاد ضد أميركا والغرب.
* بعد تجاربك المتعددة في عدة أفلام، ما هي انطباعاتك الشخصية حول التجربة والتعامل مع الجهاديين في سوريا عموماً ؟
** مخطئ من يحاول أن يفصل الجهاديين عن أي حل في سوريا، كما أن عزل الجهاديين سياسياً يفاقم من تعقيد الوضع السياسي في هذا البلد الذي مزقته الحرب. وأعتقد أن الحوار مع جميع الأطراف بما فيهم الجهاديون هو أساس أي حل في سوريا. لا أريد تكرار تجربة المجاهدين العرب في أفغانستان وقمعهم وإقصائهم بوحشية والاعتداء عليهم بصورة مروعة وتشريد عائلاتهم، أيضاً واجه المجاهدون العرب في البوسنة والهرسك مصيراً قاتماً بدل مشاركتهم على الأقل في العيش في البلد الذين أتوا للقتال من أجله.
الإسلام السياسي ومستقبل سوريا
* من الناحية السياسية، ما هي رؤيتك الشخصية للإسلام السياسي؟
** يواجه الإسلام السياسي إقصاء كبيراً وحالة قمع منظمة في عدد من الدول العربية، وأعتقد أنه الواجهة الوحيدة والنافذة السياسية الباقية في الوطن العربي بعد انهيار البعث العراقي واحتضار البعث السوري وانحسار الاحزاب القومية والشيوعية والماركسية وبقية الأحزاب والاسماء غارقة في التبعية والفساد.
* ما هي رؤيتك لمستقبل سوريا خاصة أنك عاينت شخصياً وضع المناطق في شمال البلاد بشكل مباشر؟
** لقد تحدثت مع جميع الاطراف المعارضة باستثناء النظام لذلك ستكون الصورة ناقصة دون التحدث معه. لكن مستقبل سوريا يحدده أبناء البلد عبر السياسة والإعلام والوعي والفكر السياسي والإصلاح الاجتماعي الذي لا يمكن ان يتم إلا بأن يكون القرار سورياً مستقلاً، فالبلد يواجه التقسيم وفعلياً هناك أربع مناطق بعد إعلان الدولة الإسلامية، إذ أن الجماعات الكردية هي الأخرى تقوم بأعمال الدولة دون الإعلان الرسمي عنها فلديها مناهجها الخاصة ونظامها المستقل ومؤسساتها الخاصة وحدود ونقاط عبور وجيش وشبة حكومة، كما أنها تفرض التجنيد الإجباري. إن حجم التدخلات الخارجية يفوق بساطة الشباب الذين قاموا بالثورة لذلك إن مستقبل سوريا لا يبشر بالخير إذا لم يعد هؤلاء الشباب بقوة الى الساحة من جديد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها