ومع أن المنظومة السياسية في أوقات الاستقرار، كانت حاضرة دائماً في المؤتمرات وموافقة على الخصخصة، إلاّ أنها لم تضع الأرضية المساعدة لإنجاز ذلك الاقتراح. فهل الأوضاع الحالية للبلاد تساعد على إنجاح الخصخصة؟
مقاربة سطحية
أبرز الأصول المدرجة للخصخصة هي "الخطوط الجوية للشرق الأوسط (MEA)، كازينو لبنان، إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، المطار والموانىء، العقارات المملوكة للدولة، قطاع الاتصالات (الثابتة والمتنقلة)، شركة كهرباء لبنان ومؤسسات المياه"، وهي الأصول التي ارتكزت عليها دراسة تحت عنوان "خصخصة الأصول اللبنانية العامة: لا يوجد حل معجزة للأزمة"، والتي قام بها ألبير كوستانيان من معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، للإجابة عن إمكانية وصول الخصخصة إلى أهدافها المرجوة.
ويشير ملخّص الدراسة إلى أن مؤيّدي خصخصة أصول الدولة تعاملوا مع تقييم الخصخصة "بشكل سطحي". إذ "لا يمكن تناول مسألة الخصخصة في لبنان من خلال عدسة تعويض الخسارة وحده، وليس كمجرد خيار لتقليل أو استكمال كفالة المودعين العالقين في النظام المصرفي اللبناني"، حتى وإن كانت الخصخصة من الناحية النظرية "يمكنها أن تخفف الخسائر التي يتحملها النظام المالي". ولذلك، فإن "أي قرار لبيع أصول الدولة يجب أن يقاس على أساس المعايير الاقتصادية والاجتماعية التي ستساهم على المدى الطويل الأجل، في تحسين الرفاه العام للسكان بطريقة مستدامة".
أيضاً، فإن "تجارب الخصخصة في تاريخ لبنان الحديث، تُظهر أن تلك الخصخصة أتت بضغوط مؤتمرات المانحين الدوليين، وأبرزها سلسلة مؤتمرات باريس. ولم يتم تنفيذ تلك الخصخصة بشكل صحيح". كما يؤكد التقرير على أنه عادة ما يتبع تلك الخصخصة أو يسبقها تشريع يشجع الخصخصة.
متطلبات الخصخصة
بسبب السطحية التي قوبلت فيها فكرة الخصخصة، تضمّنت الدراسة تقييماً للفوائد والمخاطر المرتبطة بالخصخصة باستخدام إطار المعايير التالية:
1- القدرة التنافسية والكفاءة التي جُلبت إلى القطاع (المنوي خصخصته) من خلال مشاركة القطاع الخاص.
2- إمكانية الوصول إلى الخدمات أو السلع العامة للمواطنين.
3- التأثير على الخزينة.
كما حاولت الدراسة "تحديد قيمة الأصول المختارة للخصخصة بدقة مقبولة، باستخدام أفضل تقدير لكل قطاع، بناءً على المعلومات التي كنا قادرين على جمعها، وغيرها من الموارد المتاحة بسهولة".
وأتت النتيجة بأن "لبنان لا يزال بعيداً جداً عن تلبية المتطلبات الأساسية المختلفة للخصخصة. وتشمل هذه المتطلبات البيئة التنظيمية السليمة، مكافحة الفساد، القوانين والأطر، عمليات الشراء الشفافة بالكامل، حسن الأداء، أسواق رأس المال والمنافسة العادلة".
على صعيد البيئة التنظيمية السليمة، تشير الدراسة إلى أن "الصراع بين الطبقة السياسية أفسد عملية إنشاء التنظيم في عدة قطاعات مثل الاتصالات والكهرباء والطيران المدني، والتي لا تزال من دون هيئة ناظمة".
وعلى صعيد القوانين وأطر مكافحة الفساد، دلّت التجربة أنه "في السنوات الأخيرة، تم إصدار العديد من تشريعات مكافحة الفساد، وجرى إقرار قانون ينص على انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لكن لم يؤدِّ ذلك إلى فرض الشفافية ومحاسبة الفاسدين. ومما يزيد الفساد تعقيداً، هو حقيقة أن السلطة القضائية في لبنان مسيّسة وخاضع لأهواء السلطة التنفيذية. ومن دون قضاء مستقل بشكل صحيح عن السلطة التنفيذية أو عن السياسيين، فإن فرض الشفافية ومحاسبة الفاسدين مستحيل، حتى لو تم تمرير أفضل تشريع لمكافحة الفساد".
على مستوى عمليات الشراء الشفافة بالكامل، فإن "عملية الشراء في لبنان عفا عليها الزمن. كما أن مجلس المناقصات المركزي (إدارة المناقصات) والهيئة العامة المسؤولة عن الإشراف على عملية الشراء ومراقبتها، غالباً ما يتم تجاوزها تماماً، وعادة ما تُمنح العقود الحكومية بطريقة مبهمة مع منافسة قليلة أو معدومة بين الشركات المتقدمة".
أما بالنسبة إلى أسواق رأس المال جيدة الأداء، فإن "المستثمرين المحتملين يحتاجون إلى التأكد من أن أي احتيال أو سوء التصرف المرتكب ضدهم سوف يعاقب بشكل صحيح، وأن حقوقهم ستُحتَرَم. وهذا الأمر ليس مضموناً حتى مع انشاء هيئة أسواق المال، لأنها ليست مستقلة عن السلطة التنفيذية وعن السياسة في البلاد".
أيضاً، من جهة المنافسة العادلة، فإن "لبنان في حاجة ماسة إلى قانون المنافسة الذي يحمي من الاحتكار".
الخلاصة بالأرقام
لإنجاح الخصخصة، على لبنان امتلاك شروطها المسبقة. فهل يمتلكها؟
تورِد الدراسة أن "العقود بين الدولة والقطاع الخاص تظل محاطة بالسرية، ولا تستجيب السلطة العامة لطلبات الكشف عن هذه العقود. ونظام المشتريات العامة مجزأ ومليء بالثغرات. بالإضافة إلى عدم تحقيق متطلبات الخصخصة المذكورة". وبالتالي، "لا يمكن اعتبار الخصخصة هي الحل السحري، لأن ايرادات هذه العملية على المدى القصير، غير كافية مقارنة مع حجم الخسائر الاجمالية. فالقيمة الاجمالية للأصول، باستثناء الأصول المخصصة للامتيازات، تبلغ 12 مليار دولار. وتبلغ بشكل متفائل، نحو 17 مليار دولار وبشكل متحفظ تبلغ 22 مليار دولار".
ومع أن العقارات "هي المساهم الأكثر أهمية إلى حد بعيد في إجمالي قيمة الأصول، حيث تبلغ قيمتها 14.38 مليار دولار في السيناريو المتفائل. تليها الاتصالات الثابتة والمتنقلة، بقيمة 4.28 مليار دولار في السيناريو المتفائل"، إلاّ أن "إجمالي الإيرادات المحتملة للدولة اللبنانية من الخصخصة يمكن أن تتراوح بين 6 مليار دولار، بالنظر إلى واقعية برنامج الخصخصة و13 مليار دولار في حال ارتفاع سيناريو التوقعات".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها