الخميس 2015/06/18

آخر تحديث: 13:38 (بيروت)

رحيل نبيهة لطفي... مخرجة تل الزعتر وكاريوكا

الخميس 2015/06/18
رحيل نبيهة لطفي... مخرجة تل الزعتر وكاريوكا
فصلت من الجامعة الاميركية بسبب مشاركتها في مظاهرة ضد "حلف بغداد"
increase حجم الخط decrease
رحلت أمس الأربعاء، المخرجة اللبنانية المصرية نبيهة لطفي عن 78 عاماً، وهي من أوائل المخرجات التسجيليات في العالم العربي ومن أوائل النساء اللواتي تخرجن في معهد السينما قسم الإخراج في مصر، عايشت كبار صانعي السينما الروائية المصرية وتأثرت بهم لكنها اختارت أن تنتمي إلى السينما التسجيلية إذ رأت فيها منبرا للاهتمام بالقضايا التي شغلت بالها. وفي تقديمه كتابه "نبيهة لطفي، مصرية من جنوب لبنان"، كتب أحمد أبو زيد أن لطفي انتمت إلى جيل "تشكّل وعيه السياسي والثقافي في فترة مزدهرة جداً من تاريخ الأمة العربية، تفجّرت فيها ثورات وطنية للاستقلال والتحرّر من الاستعمار، وتعالت فيها النداءات المطالبة بالقومية والوحدة العربية، وتناثرت الأحلام والوعود بمستقبل عربي جديد ومشرق".

ولدت نبيهة لطفي في 28 يناير/كانون الثاني 1937 في صيدا (جنوب لبنان)، والتحقت بالجامعة الأميركية في بيروت العام 1953 وفصلت منها بعض مشاركتها في مظاهرة ضد "حلف بغداد" المدعوم من اميركا، ثم غادرت إلى القاهرة (زمن ثورة الضباط الأحرار وناصر) في شباط 1955 حيث تحولت من دراسة العلوم السياسية الى دراسة الادب العربي وتعلل ذلك بالقول ان "هواجس جيلي السياسية والمتعلقة بالهوية واللغة والعلاقة بينهما"، كانت السبب خلف توجهها الى الادب. من الادب دخلت السينما لتبدأ بنسج حكاية طويلة.



تخرجت نبيهة لطفي في جامعة القاهرة قسم اللغة العربية العام 1957، ثم دخلت معهد السينما بعدما تزوجت علي مختار. تتذكر نبيهة لطفي غضب اهلها وقتذاك برغم وصفها اياهم بالوالدين المنفتحين والديموقراطيين واتصالهم بزوجها لتحريضه على منعها. "كانت السينما بالنسبة اليهم تمهيداً لدخول عالم موبوء"، تقول. بعد اربعة أعوام من دراسة الاخراج السينمائي وتتلمذها على ايدي سينمائيين مثل يوسف شاهين وتوفيق صالح وحلمي حليم ومحمد كريم، اتجهت الى العمل كمساعدة مخرج في افلام روائية. وخطت أولى خطواتها في الحياة المهنية فعملت في الأفلام الروائية، وعملت مساعدة لمخرجين مصريين منهم فطين عبد الوهاب وسعد عرفة وخليل شوقي ثم كرست جهودها للسينما التسجيلية. لكنها سرعان ما اكتشفت بعدها من ذلك العالم: "في سن مبكرة، تجذبنا السينما ببريقها وبالاحلام التي ترسمها لجيلنا. ولكن ذلك لا علاقة له بالسينما. مع دخولي عالم السينما، اكتشفت وجهاً آخر أشعرني بغربة دائمة عنها وعن ناسها وطبيعة العلاقات فيها بين البشر".

بعد هزيمة الـ1967 وما تلاها من احباطات دفعت نبيهة لطفي وغيرها إلى التفكير بسينما ملتصقة بالقضايا السياسية بأسلوب جديد فنشأت العام 1968 جماعة "السينما الجديدة"، شاركت نبيهة لطفي في تأسيس الجماعة التي نجحت أن تنتج فلمين "أغنية على الممر" و"ظلال على الجانب الآخر"، تناولا موضوع حرب 1967 وخلقا طرحاً حقيقياً للنضال، من جهة أخرى التف بعض السينمائيين حول شادي عبد السلام مخرج فيلم "المومياء" الذي طرح سينما المؤلف. أعجبت نبيهة لطفي بنهج عبد السلام فارتادت المركز التجريبي الذي أسسه.

وأخرجت نبيهة أول أفلامها "ألفية القاهرة" 1969 بمناسبة مرور ألف عام على تأسيس العاصمة المصرية. والعام 1971 صورت "صلاة من وحي مصر العتيقة" عن كنائس ماري جرحس، بأسلوب شاعري قريب من الأدب مرتكزة على نصوص من الكتاب المقدس، وعلى أنغام التراتيل الدينية وبين الأيقونات القديمة تجول عدستها بصمت وخشوع بعيد عن التعليق والشرح السائدين في الفيلم التسجيلي آنذاك. الهدف الأساسي عندها ارتباط ما بين الحاجة الروحانية والفن وإحساس بالجمال من خلال الدين.

تل الزعتر
 بعد الرحلة في عالم الروح والدين التي أقامتها في فيلمها "صلاة..."، عادت نبيهة لطفي إلى الواقع السياسي فقررت العام 1975 أن يتناول فيلمها الجديد واقع المرأة الفلسطينية المكافحة فاتجهت أنظارها نحو لبنان. واختارت مخيم تل الزعتر مكانا للتصوير، غير أن الأمور لم تجر كما تمنت المخرجة فاندلاع الحرب في لبنان العام 1975 أجبرها عن التوقف عن التصوير، وعادت الى القاهرة وظلت تنتظر الفرج في بلدها إلا أن الأمور كانت تزداد سوءاً.

وما زاد حزنها أن وحشية الحرب الأهلية أزالت مخيم تل الزعتر ومحته عن الخريطة بعد ضربه من النظام السوري والميليشيات المسيحية. وسرعان من استعملت ما صورته في المخيم لانتاج فيلم عنه، وعادت وصورت في منطقة الدامور(جنوب بيروت) وأخذت شهادات من الذين بقوا أحياء في تل الزعتر من النساء والأطفال. استنادا إلى قصص حية التقطتها من الفلسطينيين، وصاغت نبيهة لطفي قصة المخيم بجزئيين الأول قبل المجزرة ينبض بالحياة والثاني بعدها يخيم عليه الموت فأتي فيلهما شهادة نادرة تؤرخ لفترة من الحرب اللبنانية بطريقتها الخاصة، وكان بعنوان "لأن الجذور لا تموت"...



كان تل الزعتر الفيلم الوحيد الذي صورته نبيهة لطفي في لبنان، ابتداء من العام 1978 وبعد مرور أكثر من 20 سنة على وجودها في القاهرة توجهت بأفلامها الوثائقية إلى المجتمع المصري. "دخلت في الحياة المصرية وبدأت أعايش مشاكل في الاتجاه الاجتماعي الذي هو التنمية الاجتماعية"، وكان أول فيلم صورته عن التسرب من المدرسة، وجالت في صعيد مصر وأريافها وأخرجت أكثر من عشرين فيلما تهتم بالإنسان المصري وحقوقه المنتهكة. وومن أشهر أعمال نبيه لطفي التسجيلية "كاريوكا" وهو عن حياة الراقصة المصرية تحية كاريوكا، ويتضمن شهادات مجموعة كبيرة من المثقفين والسينمائيين... أيضا شاركت لطفي بأدوار تمثيلية في أفلام روائية مصرية آخرها "رسائل البحر" لدوواد عبد السيد. 


 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها