فريد الزاهي... بعض أخلاقيات الترجمة في العالم العربي

مرّ أكثر من 18 عاماً على صدور ترجمتي لكتاب هنري كوربان: الخيال الخلاق في تصوف ابن عربي، وهو الكتاب المرجعي الذي انتظر أكثر من نصف قرن ليلاقي في الأخير مترجمه إلى لغة الضاد. وكانت الترجمة عبارة عن مصادفة، إذ طلب مني ناشري أن أختار كتاباً لتقديمه لمصلحة الكتاب في السفارة الفرنسية بالرباط، كي يحظى بدعم يتمثل في التكفل بمستحقات المترجم، فكان كتاب كوربان هذا يتصدر قراءاتي منذ وقت. ولم يكن لدي حينئذ (بعد موافقة لجنة القراءة في السفارة) إلا ثمانية أشهر لتقديمه للطباعة وإلا خسرنا الدعم. كانت تجربة مضنية لم تترك لي الوقت حتى لكتابة مقدمة للترجمة العربية، ناهيك عن المشكلات العويصة في الترجمة وفي العودة لمصادر ابن عربي العديدة والشائكة. وصدر الكتاب عن دار مرسم بالرباط العام 2006.

ولأن الكتاب لم يكن يوزع في العالم العربي، اقترحت على الصديق خالد المعالي (صاحب منشورات الجمل) إصدار طبعته الثانية بالمشرق، صدّرتها بالحديث عن الترجمة المفقودة التي لم يكتب لها النشر، للفيلسوف المصري فؤاد كامل (فقد أضاعت دار الشروق نسختها المخطوطة الوحيدة)، وأخذت الوقت الكافي لتنقيح الترجمة وضمان سلاستها. وقد صدرت العام 2008 في طبعة جميلة.

منذ شهرين، وأنا أبحث في الأنترنت عن مسألة ما، صادفني كتاب هنري كوربان نفسه مترجماً إلى اللغة العربية بعنوان: الخيال الخالق في تصوف ابن عربي، أنجزه مترجم من البحرين هو خليفة علي خليفة، أصدره العام 2012. ومن باب الفضول بحثت عن الكتاب بصيغة "بي دي إف" فلم أعثر عليه. ولأني أعيش خلوة في الجبل منذ شهور عديدة، حدثت صديقتي الشاعرة (المولعة بابن عربي) عن هذا الكتاب فبحثتْ عنه ببيروت وقرأتْه وتفضلت مشكورة ببعث النسخة إليّ (مرفقة بديوانها وبنسخة من الأعمال الكاملة لأنسي الحاج التي سهرت على إصدارها مؤخراً).

قرأت مقدمة الكتاب فلم أعثر على ذكر لترجمتي ولا للترجمة المفقودة لفؤاد كامل... فالمترجم يعتبر أن ترجمته عبارة عن فتح مُبين، وتَدخُل في تصوره العقيدي الشيعي... إنها (بعض) أخلاقيات الترجمة في العالم العربي. فكل كتاب هو الأول والأخير، وكل ترجمة هي الأولى والأخيرة... ولا ذاكرة لمن تنادي...

(*) مدونة نشرها الكاتب المغربي فريد الزاهي في صفحته الفايسبوكية.