الإثنين 2024/06/03

آخر تحديث: 18:33 (بيروت)

الفستان

الإثنين 2024/06/03
الفستان
increase حجم الخط decrease
ما الفرق بين ارتداء الممثلة السورية سلاف فواخرجي الكوفية الفلسطينية فستاناً، وبين جلسة التصوير التي أجرتها الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات على أنقاض انفجار مرفأ بيروت بفستان رُسمت عليه الفاجعة؟ ليس الكثير، بل ربما لا فرق أبداً.

الإثنتان تجهَّزَتا لعَين الكاميرا، وخصيصاً لعيون المتابعين في السوشال ميديا، لتكونا جميلتا المأساة و"فاشونيستا" الألم للقول: أنظروا كم أنا متضامنة ومتأثرة، كم أنا أنيقة وجذابة إذ أدلي بموقف سياسي أو أخلاقي أو إنساني، وما أحلاني فيما أفعل ذلك، فتداولوا صوري! أنا الموضوع والوجع "نيو لوك" أهبُه بكرم للمعجبين!


فوق الخراب والدم والصدمة، وقفت الزيات تستعرض فستاناً، أياً كان ما رُسم فيه، فهو يدوس على كل فقدٍ تسبب فيه الانفجار، ويهشّمه في رداء يحتفل بصاحبته وتحتفل هي به وبنفسها بلا ذرة خجل من دموع وأشلاء وأطلال، بل إن نكبة الانفجار إكسسوارها الأوريجينال. وفي استديو بإضاءة محترفة تعانق تفاصيل الموديل بمكياج السهرة، مع تنسيق القفازين الخضراوين (الزيتون والأرض الخ...) مع نقش الكوفية الذي يتخلله اللون الزهري المغناج، تتخذ فواخرجي وضعيات غريبة، بعضها يحاكي سوبرستارات وفتيات الإعلانات، والبعض الآخر يمثّل التفكّر والألم مثلما كان كوميديان ستاند أب ليتهكّم على المسرح الجادّ... وقد يقول قائل إنها في إحدى الصور تبدو متدربّة على الكاراتيه.

قبل سلاف ورابعة، ارتدت الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت، فستاناً بألوان علم الفلسطيني ناقصةً الأحمر الذي أكملته سجادة مهرجان "كان". وارتدت عارضة الأزياء الفلسطينية الأميركية بيلا حديد، فستاناً من قماشة الكوفية الحمراء على هامش المهرجان نفسه. أشار البعض إلى أن التضامن مع الفلسطينيين حين يمسي قطعة ملابس مغوية وتأكل مُرتديتها البوظة على كورنيش الأغنياء والمشاهير في الجنوب الفرنسي، فإنه يُميت القضية، يُخسّرها، أو يقزّمها، إذ يختزلها في إعلان تمايز بصري تسجله الكاميرات. وكانت الملاحظة لتبدو وجيهة بالكامل... لولا السياق. ذلك أن بلانشيت وحديد حاولتا، كل بطريقتها، مخاطبة رأي عام منقسم وحاد إزاء الحرب في غزة. بفستانيهما انضوتا في خطاب في مواجهة آخر، وفي مكان وحدث عالميَين، في قلب الغرب، وفي مرمى أنظار صنّاع القرار ورؤوس القوى التي تملك من النفوذ والسلطة ما يخولها، إن أرادت وإن ضُغط عليها كفاية، تغيير بوصلة الحدث الغزاوي.

بلانشيت وحديد جيّرتا بعضاً من رأسمالهما، أي نجوميتهما وحضورهما المرئي بكثافة، لصياغة تأثير ما، مهما كان رمزياً، في نسيج غير متجانس من المواقف والحراكات. وهذا إلى حد كبير يعتبر عملاً ناشطياً. في الشارع حيث تنزهت بيلا، وفوق السجادة الحمراء حيث رفعت كيت الذيل الأخضر لفستانها الأسود. إضافة إلى التموضع السياسي الواضح عموماً للنجمتين، وليس في التيار السائد في محيطهما، قبل ارتدائهما الفستانين اللذين جاءا كالكرزة فوق الكعكة، من دون أن ينفي ذلك كله إمكانية نقد الخطوة في حد ذاتها من زوايا عديدة، ليس التشييء أكبرها.

لكن مخاطرة الاثنتين بخسارة جمهور فيما تربحان جمهوراً آخر، يضفي مصداقية، ويبرز شجاعة الخروج على النمط "الآمن"، والاستقبال الدافئ عموماً الذي حازتاه يدلّ إلى إصابة أهداف في القلوب. في حين لم تحظَ سلاف، وقبلها رابعة، وفي الغالب الأعم، سوى بالسخرية والغضب... لماذا؟

الإجابة سهلة ومباشرة: أولاً، التصوير في الاستديو، أو جعل أرض الانفجار استديو تصوير، من أجل حسابات السوشال ميديا التي يتابعها في الغالب الأعم رأي متناغم متضامن سلفاً، مع الفلسطينيين أو اللبنانيين ضحايا المرفأ. وبالتالي يصبح الفستان مصيدة لايكات ومشاركات برُخص الركوب الشعبوي لموجة يتم تحويلها إلى تريند استهلاكي. وثانياً، والأهم، أن المرأتين معروفة انتماءاتهما السياسية واصطفافهما مع النظام السوري وحلفائه. انتماء إلى المتشدقين بفلسطين كموضوع إنشاء مدرسي وقصيدة ركيكة، وقد قتلوا فلسطينيين في سوريا ولبنان وحاصروهم، مثلما قتلوا لبنانيين وسوريين وإيرانيين... فلا عجب، وأقل ما تستحقه جميلتا المصائب هو السخرية والغضب. 
        
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها