الأربعاء 2024/06/19

آخر تحديث: 22:33 (بيروت)

تشومسكي الذي عرف أن الكولونيالية ليست مجرد ماضٍ

الأربعاء 2024/06/19
تشومسكي الذي عرف أن الكولونيالية ليست مجرد ماضٍ
في ندوة في المجلس الثقافي للبنان الحنوبي فواز طرابلسي وتشومسكي والراحل حبيب صادق
increase حجم الخط decrease
لا ضرورة للتعريف بنوام تشومسكي بل ثمة متعة للحديث عنه.
إن صاحب اهم مساهمة في الألسنيات النظرية في عصرنا، الرجل المكرّس بما هو «اكبر مفكّر لا يزال على قيد الحياة» في عالمنا، هو قبل اي شيء آخر امثولة في التواضعٍ. فقد ادرك نوام تشومسكي، لعلمه الواسع، صحة قول الشاعر العربي «قل لمن يدعي في العلم معرفة/علمتَ شيئا وغابت عنك اشياء». لكن تواضع نوام تشومسكي مسكوب في ارادة فولاذية تتغذى، دونما مفارقة، من حساسية مفرطة ضد كل ما يمتّ الى الظلم والتمييز بين البشر بصلة.

وهذا الناقد للرأسمالية والكاشف لأليات تشغيل العولمة الاميركية المتعسكرة، هذا الرائي لإمكان بناء عوالم بديلة لعالم لاهوت السوق وشهوة الربح، يشدد في المقام الاول على ضرورة المزاوجة بين قيمة الحرية وقيمة المساواة في اشتراكية تحررية ترفض تقديم التنمية والرفاه والمساواة الاجتماعية على الحريات والديموقراطية. وهو الذي يؤكد ان الحرية تستقوي بالمساواة قدر ما تتغذى المساواةُ بالحرية.

ونوام تشومسكي المفكر هو الذي يولي الآن جهوداً متزايدة لنقض فرضيات ما بعد الكولونيالية. يدعو الى البداهة: ليست الكولونيالية مجرد ماض يتعيّن الاكتفاء بنقده وتحليل انحيازاته جهة الغرب. الكولونيالية حاضرة من خلال الاحتلال الاستعماري المستمر في فلسطين والعراق وافغانستان وسواها. والكولونيالية حاضرة في تحولها الى امبراطورية تجدد اشكال الاستغلال والسيطرة فتستدعي بالتالي اشكالا جديدة ومبتكرة من التفكّر والنضال لمقاومتها.

في مواجهة نظريات بعد الحداثة، ينافح نوام تشومسكي عن ان وظيفة المثقف هي البحث عن الحقيقة الموضوعية والافصاح عنها. إن إنكار نظريات ما بعد الحداثة لوجود واقع موضوعي والاستعاضة عن ذلك الواقع بتمثّلات عشوائية تتساوى في القدر والاهمية والمعقولية –هذا الانكار يصبّ، في نهاية المطاف، في استخدام الفكر والفلسفة لتبرير الاوضاع القائمة والمستفيدين منها.

ونوام تشومسكي رائد في علم الميديلولجيا - علم الاعلام –  حلل نقديا انتقال أجهزة الاعلام من وظيفتها الاصلية في إعلام الناس بالاخبار ونقل الوقائع والحقائق وتحليل التطورات والتعبير عن الرأي العام وتحولها الى احتكارات اعلامية تتلاعب بالرأي العام، احتكارات باتت وظيفتها الرئيسية «تصنيع الاذعان» لأسياد المال واصحاب السلطة وسياساتهم عبر العالم.

لهذه الاسباب كلها فإن محاضرنا الليلة هو أحد صنّاع الامل بالمستقبل، يعبّر عن الامل بابتسامته الدائمة الهانئة الهادئة، في زمن يريد كثيرون اقناعنا بأن الامل وهمٌ وبأن التقدّم كلمة بذيئة. علماً ان هؤلاء لم يفلحوا بعد في إجابتنا عن السؤال البسيط: بماذا نستبدل الامل بالـ «التقدم» والعمل من اجل «التقدّم»، أبالاستبشار بـ«التأخر» وتنظيم خططا خمسية من اجل تحقيق الانجازات البيّنة في مضمار «التأخر»؟

ونوام تشومسكي في قضايانا العربية والاقليمية اول من نبّه الى خطورة التلاعب بالمحرقة اليهودية لتجديد شرعية الصهيونية وتسويغ إرهاب الدولة الاسرائيلي واحتلال كامل ارض فلسطين والاراضي العربية المحتلة عام ١٩٦٧. ولن ننسى ان صاحب الموقف الثابت من حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والدولة المستقلة والعودة هو مؤلف كتاب أفرد فيه فصلا غنيا وموثقا وعميقا عن الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢. 

(*) من تقديم لمحاضرة تشومسكي في بيروت/الاونسكو، بيروت ٢٥ ايار ٢٠١٠.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها