الأحد 2024/10/20

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

النباتيون من المعرّي إلى هان كانغ..التمرّد على عنف المائدة

الأحد 2024/10/20
النباتيون من المعرّي إلى هان كانغ..التمرّد على عنف المائدة
الفائزة بجائزة نوبل: مع تصاعد الحرب وقتل الناس كلّ يوم، كيف يمكننا أن نحتفل؟
increase حجم الخط decrease
رفضت الأديبة هان كانغ، وهي أول كورية وآسيوية تفوز بجائزة نوبل للآداب، عقد مؤتمر صحافي عقب فوزها بالجائزة، مشيرة إلى المآسي العالمية الناجمة عن الحرب في العالم. وقالت "مع تصاعد الحرب وقتل الناس كلّ يوم، كيف يمكننا أن نحتفل أو نعقد مؤتمراً صحافياً؟ وموقف كانغ ينسجم مع مضمون أو "رسالة" رواياتها. فقد جاء نجاحها مع رواية "النباتية" (2007). عندما استيقظت يونغ هاي (بطلة الرواية) ذات صباح من أحلام مضطربة، وجدت نفسها قد تحولت نباتية مروعة؛ وتتنقل الروائية في سردها بين الإثارة المنزلية والتحول والتأمل في حب النباتات، وتتحدّد هوية شخصيات الرواية إلى حد كبير من خلال ما يفعلونه لكسب العيش، فحين توقفت "يونغ هاي" عن القيام بأي شيء تقريباً، فإنها تقول في إحدى لحظاتها النادرة من الحوار المباشر: "كان لدي حلم"، وهو تفسيرها الوحيد لتحولها إلى نظام أكل الخضراوات الذي اكتشفته.

عندما ترفض يونغ هاي الامتثال لقواعد تناول الطعام بعدم أكل اللّحم، يُقابل قرارها بردود فعل متنوّعة تمامًا؛ يُرفض سلوكها بالقوّة من قبل زوجها ووالدها المتسلّط، وتستغل "شهوانياً" من قبل صهرها أو زوج شقيقتها، وهو فنان فيديو لا يرى مشكلة في الاعتداء عليها. ويتبع القارئ بعد ذلك الانزلاق التدريجي للشخصية الرئيسة إلى الذهان الذي سيقودها إلى عيادة للمصابين بأمراض نفسية، حيث تحاول أختها إنقاذها وإعادتها إلى الحياة الطبيعية.
تقول الروائية الإيرانية بوروشيستا خاكبور في مقال نشرته نيويورك تايمز: "ترتبط رواية "النباتية" بأعمال أدبية صغيرة متنوعة أخرى، مثل رواية "أقارب الدم" لسيردوين دوفي الصادرة عام 2007، ورواية "Bartleby, the Scrivener" لهرمان ملفيل، فضلاً عن رواية الرعب الرائعة "البومة العمياء" للمؤلف الإيراني صادق هدايت الصادرة عام 1937 (كان هدايت نفسه نباتياً، وهناك مشاهد تظهر بانتظام في الرواية تتضمن المناظر التي يراها في كوابيسه، حيث يتم التعامل مع قتل الحيوانات باعتباره سبباً للجنون)، لكن في النهاية، كيف يمكن ألا نتذكر كافكا في وسط كل ذلك؟ فربما يكون كافكا النباتي الأكثر شهرة في تاريخ الأدب، ويبدو أنه تحدث ذات مرة إلى سمكة في حوض سمك قائلاً: "الآن أخيراً يمكنني أن أنظر إليك في سلام، لن آكلك بعد الآن".

اشمأز كافكا من أكل اللحوم، وهنالك من يربطون هذا بمهنة جده الذي كان جزاراً. وعرف التاريخ العديد من الشخصيات النباتية المؤثرة التي دعت إلى الرفق بالحيوانات، مثل نيوتن، جان جاك روسو، القديس فرنسيس الأسيزي، بوذا، وليوناردو دافنشي الذي رفض أكل اللحوم لأسباب أخلاقية، لكن أحد أعلى الأصوات دفاعاً عن الحيوانات لم يحظ بالتقدير الكافي في الغرب، الرّوسي ليو تولستوي، الذي تبدو حياته أو يبدو جانب منها تصوّفياً تقشفياً، يعيب على آكلي اللحم باعتبار أن جسم الواحد منهم يصبح قبراً للحيوان الذي أكله..



ووفقاً للمعايير المعاصرة، كان الشاعر العباسي أبو العلاء المعري، الزاهد "الزنديق"، نباتياً. فهو لم يتبنَ موقفا نادراً وغير مألوف بين المسلمين فحسب، بل بين معظم سكان العالم في زمنه. وهو أمر نادر في العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى... نقل أحمد أمين أستاذ الأدب العربي في كلية الآداب، في فصل عنوانه "نظرة المعري للعالم"، ونشرته دار الهلال، كلاماَ للمعري يقول: "لأرسم لنفسي برنامجًا أنفذه لنفسي وإن لم أستطع أن أنفذه في غيري، فلا زواج ولا نسل، ولا إيذاء لحي، ولا آكل لحم حيوان بحري ولا بري ولا أفجعه في إنتاجه فلا عسل ولا لبن ولا بيض، بل لا ألبس الجلود، ولا أنتعل بها وانما أكتفي بالنبات، طعامي العدس وفاكهتي التين، وحبي الكمأة والبقول وشربة الماء من راحتي أو بقدح من الخزف.. وملبسي من القطن، وليكون مركبي رجلاي لا الخيل".
في إحدى قصائده، كتب قائلاً:
"فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما      ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح
وأبيض أمّات أرادت صريحه         لأطفالها دون الغواني الصرائح
ويعارض المعري في رسالة "الصاهل والشاحج" تربية الماشية بهدف أكل لحومها وصيد الغزلان البرية وذبح الجمال خلال الرحلات الطويلة لشرب السوائل التي تختزنها في جوفها.
ويشرح المعري فكرته في رسالة إلى الشاعر الفاطمي المؤيد في الدين الشيرازي، الذي اتهمه بمخالفة التعاليم الإسلامية التي تجيز أكل الذبائح، حيث يقول المعري "لم يزل من يُنسب إلی الدّين يرغب في هجران اللحوم، لأنها لم يوصل إليها إلا بإيلام حيوان، يفر منه في كل أوان".
حاول الشيرازي إلصاق تهمة المانوية أو التأثر بالديانات الشرقية به، معتبراً أن زهده ليس إسلامياً وإنما يحمل تأثيرات هندية ونظرة مختلفة عن الآخرة.

عربياً أيضاً، كشف الروائي أنيس منصور في مذكراته عن عدة مواقف آثرت فيه وهو مازال طفلاً صغيراً، فقال لم أتذوق اللحوم بمختلف أشكالها طوال حياتي التي تخطت الـ87 عاماً، موضحاً "أنا نباتي ولم أذق اللحم في حياتي. فقد حدث يوم عيد الأضحي المبارك أن قفزت من سريري لأعرف ما سبب الضجة التي كانت أمام الباب، وكنت انذاك في الرابعة من عمري، وعندما وجدت نفسي غارقاً في دم خروف يذبحونه.. من يومها لم أضع اللحم بكل أسمائه وألوانه وأحجامه في فمي".
أما الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، اذا ما اعتبرناه كاتباً، فكان يوصي بالطعام النباتي، وبالاعتدال بالمأكل والمشرب، مائدته المفضلة كانت تحفل بالزعتر الأخضر واليابس، والعسل الجبلي واللبن والحليب الطازج والزبيب. كان طبق العدس من أشهى أطباقه اليومية، ناهيك عن البيض البلدي المسلوق والمقلي. لكن تمرّد جنبلاط على المائدة، ربما لم يكن منسجماً مع خوضه طريق الإصلاح بالسلاح في زمن الحرب.

وعلى الهامش، معروف بأن الرئيس سليم الحص كان نباتياً لم يذق في حياته اللحمة أو السمك. أصبح نباتياً بعمر صغير عندما ذبح جيران جدته خروفاً كان أحبه واهتم به، فقرر حينها أن لا يأكل اللحوم مطلقاً حزناً على هذا الخروف.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها