الإثنين 2024/10/14

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

رحيل مصطفى حجازي...الذي أخذ علم النفس إلى قضية الإنسان

الإثنين 2024/10/14
رحيل مصطفى حجازي...الذي أخذ علم النفس إلى قضية الإنسان
increase حجم الخط decrease
رحل عالم النفس اللبناني وصاحب كتابّي "التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" و"الإنسان المهدور"، مصطفى حجازي(1936ـ 2024).

ونعته صفحة تجمع "نفسانيون" التي يرأسها قائلة:
"يقول الفرزدق ناعيًا: أَرى المَوتَ لا يُبقي عَلى ذي جَلادَةٍ وَلا غَيرَةٍ إِلّا دَنا لَهُ مُرصِدا
وننعى نحن مع الفرزدق رئيسنا الفخريّ في مركز نفسانيّون، ننعاه وفي القلب غصّة، وفي الحناجر سخطًا على هذا الزمن الرديء، فما إنْ بادرنا بحرب إبادة جماعيّة شنّها العدوّ المتغطرس على فلسطين ووطننا لبنان، حتى فجعنا اليوم بخبر رحيل المعلّم الأكبر البروفيسور مصطفى حجازي. ننعاك يا أبانا الروحيّ، ولا نخطئ العبارة إنْ قلنا إنّك الأب، فقدناك وما لفقدك من تعويض، يا لخسراننا الفادح، ترحل كبيرًا في غير أوانك ولا وقتك، وفي عزّ حاجة القضيّة إليك، فإلى أين تذهب؟ وكيف لجنديّ أن يرحل في عزّ المعركة؟ ترحل كما عشت كبيرًا، وأنت الذي احترفت العطاء، وتفنّنت في نصرة المظلومين والمقهورين ولا سيّما أبناء القضيّة، أبناء لبنان، وأبناء فلسطين الذين يقاسون ألوان العذاب، ويتلقّون بصدورهم العارية ضربات الغدر الغاشمة عن الأمّة برمّتها، بل العالم أجمع. وأنت ترحل وتغلق بابك الدنيويّ، لترقبنا من علوّك المرتفع، لم تنسَ أن تترك بابك مفتوحًا، كما عهدك الناس، وعهدناك، وتعلّمنا منك أن نشرّع أبوابنا للخير، لم يغب عن بالك بابك المفتوح، والآن حين رحيلك يا عزيزنا، وشيخنا الفكريّ الذي لا يشيب، يبقى لمحبّيك وتلامذتك كثيرًا من نور عقلك وعلمك وشرفك الأعلى... تبقى وصاياك فينا محفورة كالنقش الذهبيّ: لا تتركوا الإنسان، ولا تنسوا القضيّة، وابقوا مرابطين عليها، رابضين بمختلف الأسلحة. ونحن نعاهدك أيّها العزيز القدوة، سنبقى مع الإنسان، وسنقاوم وننصر القضيّة بسلاحنا النفسانيّ الفكريّ، ليتحوّل رحيلك إلى أيقونة يتلمّسها الثائرون السائرون على خطاك، ونعبر، كما تعرج روحك الآن إلى طريق الحقّ والصراط المستقيم. فلروحك الرحمة والسلام، لن نقول وداعًا، بل إلى اللقاء: يا مصطفانا الحجازيّ الشريف، البروفيسور مصطفى حجازي (١٩٣٦- ٢٠٢٤).

وكتب الباحث أحمد بيضون: رحل مصطفى حجازي: باغتنا الخبر وضاعف ما في أيّامنا الحاضرة من أسىً غامر. مصطفى: الصديقُ المشعُّ بالودّ من زمن الشباب إلى هذا الهزيع الأخير من العمر. مصطفى: الزميلُ الكبير والركن الوطيد لعشرات السنين في قسم علم النفس من كلّية الآداب وفي الجامعة اللبنانيّة بأسرها. مصطفى: الباحثُ المتّزن والمؤلّف المرموق صاحب الأعمال الباقية. خالص العزاء للصديقة نهى زوجته ولولديه وسائر محبّيه وعارفي فضله.

وكتب الباحث عندنان الامين: علاش وكيفاش؟
بهذا السؤال البليغ لخّص لنا، أنا ومصطفى حجازي، العرض الذي قمنا به أمامه، مسؤول التعريب ومحو الأمية في وزارة الصناعات الخفيفة في الجزائر، حول الدراسة التي كنا بصددها بمشاركة عباس مكي وزهير حطب في العام 1978. مصطفى حجازي هو الذي التقط العبارة إذ كررها على مسمعي ونحن نصعد في السيارة عائدين الى الفندق. كان نبيها. حاذقا في إعادة تقديم الفكرة بصياغة جديدة، وأحيانا طريفة. فقد علّل تأخر زواج صديق مشترك بأنه "لا يريد أن يفرّط بنفسه". هو شهادتي على المستوى العالي للجامعة في مصر في نهاية الخمسينات (حيث حصل على الإجازة في علم نفس من جامعة عين شمس). وبعد حيازة الدكتوراه من جامعة ليون أصبح مصطفى حجازي مرجعا في علم النفس وعلم النفس الاجتماعي، بشهادة زملائه وطلابه حتى اليوم، وبدلالة غزارة إنتاجه وحضوره الفكري.
والآن بعد غيابه المفاجئ، أسأل صديق العمر، على الطريقة الجزائرية المحببة: علاش وكيفاش؟ (لماذا وكيف؟).تعازي الحارة لنهى، غرامه الأبدي، ولولديه حاتم ودانيا.

سيرة
وُلد الراحل في مدينة صيدا العام 1936، وتدرّج في تحصيله العِلمي حتى حاز إجازة جامعية في عِلم النفس من "جامعة عين شمس" المصرية العام 1960. وبعد ذلك التاريخ بأربع سنوات سافَر إلى بريطانيا للاطّلاع على مؤسسات رعاية الطفولة والناشئة وعلى تجارب عِلمية مختلفة، قبل أن يحصل على دبلوم علم الجريمة العيادي من "جامعة ليون" الفرنسية عام 1965، ثمّ دكتوراه في علم النفس من الجامعة ذاتها عام 1967.

شكّلت الستينيات منطلقاً لمسيرة حجازي الأكاديمية والمهنية، حيث اعتُمد منذ العام 1968 خبيراً نفسانياً في محاكم ومراكز رعاية الأحداث في لبنان، وبعدها تنقّل خلال فترة نشاطه المهني، التي استمرّت حتى نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، بين مؤسسات محلّية وعربية معنيّة بتدريب العاملين برعاية الطفولة في لبنان وسورية والبحرين والكويت والعراق وقطر، كما شغل حتى رحيله الرئاسة الفخرية لتجمُّع "نفسانيون".

أمّا أكاديمياً فأبرز محطّاته كانت مع "الجامعة اللبنانية" التي عمل فيها أستاذاً لعلم النفس منذ 1983، ثم عمل أستاذاً للصحة الذهنية في "جامعة البحرين" بين عامَي 1990 و2006، وبعدها بعام عُيّن أستاذاً زائراً في كلية طبّ "جامعة الخليج العربي"، قبل أن يتفرّغ للبحث والكتابة بداية من العام 2008.

ومن مؤلفاته "ثقافة الطفل العربي بين التغريب والأصالة" (1993)، و"المسؤولية المدنية للخبير القضائي. دراسة مقارنة بين القانون الفرنسي والمصري والكويتي في ضوء آراء الفقه وأحداث أحكام القضاء" (1998)، و"علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية" (2001)، و"الشباب الخليجي والمستقبل: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية" (2008)، و"علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية" (2010)، و"إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي" (2011)، و"العصبيات وآفاتها: هدر الأوطان واستلاب الإنسان" (2019)، و"اللقاء: كيف يكشفنا لأنفسنا ويفتحنا على العالم" (2021). ومن أبرز ترجماته: "الكلام أو الموت" لمصطفى صفوان، و"معجم مصطلحات التحليل النفسي" لجان لابلانش وج.بونتاليس.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها