"Tea with Adonis" هو فيلم وثائقي يقدم مجموعة من قصص شهدها أبراهم سرور على مدار سبعين عاماً، ليقدمها في شخصية "أدونيس"، الرجل السبعيني الكويري الذي يعيش في منطقة الأشرفية في بيروت، يسقي وروده يوميًا، يستضيف العديد من أصدقائه من بينهم "أمير" الذي يلعب دوره مخرج الفيلم سليم مراد ويواظب على زيارة منزل "أدونيس" لتدوين مذكرات الأخير عما مر به كأحد أفراد مجتمع الميم عين في فترة الحرب الأهلية في لبنان.
كُتب الفيلم وصوّر على شكل وثائقي، وشارك الممثلان في كتابته واقُتبس السيناريو من قصص شهد عليها أبراهم مع أصدقائه ومن حوله من مجتمع الميم عين في تلك الفترة.
في حديثه لـ"المدن" يقول "أدونيس" إن الفيلم هو شهادة تشكلت على مدى سبعين عاماً جمعها مما شاهده أثناء الحرب وقبلها وبعدها حيث الخوف والهرب والموت. أبراهم هو من مؤسسي جمعية "حلم" القُدامى في لبنان، وهو دكتور جامعي لم يحترف التمثيل لكنه أدى دوره بشكل محترف حتى بدا أنه صاحب القصة.
إذ يدور خلال واحدة من أحلك فترات لبنان، يعكس الفيلم قوة وتصميم الأفراد الذين قاتلوا من أجل هويتهم وحقهم في الحب وسط فوضى الحرب. تلك الحقبة التي لم توثّق. وكان سليم قد شارك في ندوة واكتشف أنه لم يقم أحد بتوثيق تلك الفترة وعندها "قررنا صناعة هذا الفيلم وهناك الكثير مما لم يُعرض"، يقول أبراهم. ويساعد الفيلم في فهم تلك الحلقة المفقودة وسماع أصوات هُمشت لعشرات السنين بسبب أهوال الحرب من جهة وصراع المجتمع والتقاليد من جهة أخرى.. "من الطبيعي عدم أرشفة هذه الحقبة، ففي ظل الحرب والموت، لن لا يلتفت أحد إلى هذه القضايا ولا لوم في ذلك رغم أهمية الحديث عنها"، يضيف سرور.
عبر أسئلة "أمير" الفضولي، حاول الفيلم تقديم سياق تاريخي للأحداث يسرد مواقف مرت بها الشخصية، والمزج بين شخصية أدونيس الشاب في الماضي، والمسن المليء بالحياة والحب في الحاضر، مما يسمح للمشاهد التواصل مع تجربة "أدونيس" عاطفياً واجتماعياً وسياسياً.
يظهر الفيلم الفجوة بين الجيلين، حتى ممن ينتمون إلى المجتمع ذاته، وقد برز ذلك في أحاديث الشخصيات ونقاشاتهم. ويتعمق الفيلم في دور المجتمع في خلق مساحات آمنة لدعم الأفراد المهمشين وما يعيشونه في ظروف صعبة، إذ دائماً يشكلون الحلقة الأضعف في الحروب والأزمات. بالطبع، لا وقت للحب في الحرب، لكن بالنظر للقضية وتفكيكها اجتماعياً وسياسياً وعبر الاستماع للشهادة المقتبسة عن شهادات حقيقية، يحاول الفيلم القول إن النضال يجب أن يتقاطع مع الاعتراف بالتحديات التي واجهها مجتمع "الميم عين" في جميع الفترات حتى اليوم، وأهمية التضامن حتى في الحرب التي تفاقم قضايانا وأزماتنا.
يحكي أدونيس عن الحفلات السرية التي كان يرتادها في تلك الفترة وعن نزواته وعلاقاته. ويذكر فقدان التوعية في تلك الفترة المحجوبة في لبنان على الأمراض الجنسية أو أساليب الحماية في العلاقات الجنسية. ورغم خطورة تلك الفترة، يتحدّث ن كيفية كسر الكثير من أفراد مجتمع الميم خوفهم، بحيث أصبح بعضهم أكثر جرأة ليخرج إلى العلن "بين الموت واللذة اختاروا اللذة، هرباً من الحقيقة".
الفجوة في التأريخ والحرب والقضايا
في أميركا السبعينات، كان يُعرض أول فيلم تلفزيوني للمثليين؛ وتم إطلاق فيلم Cabaret، الذي نال ترحيباً باعتباره أول فيلم "يحتفل حقًا بالمثلية الجنسية". كانت هناك مكاسب في السياسة أيضًا، مثل تعيين كايزر أن إدوارد كوخ في الكونغرس آنذاك، وهو كان من أوائل المسؤولين المنتخبين الذين ضغطوا علنًا نيابة عن المثليين جنسياً في قرية غرينتش، كما أُطلق أسبوع "فخر المثليين". ولعل الأهم من ذلك كله، تصويت مجلس إدارة الجمعية الأميركية للطب النفسي في كانون الأول (ديسمبر) 1973، "لإزالة المثلية الجنسية من لائحة الاضطرابات النفسية".
بموازاة ذلك، كان يُنظر إلى المثليين في لبنان على أنهم "غير طبيعين" و"معطوبين" وكانوا يُحاسبون اجتماعياً وقانونياً. قد يُقدم فيلم "شاي مع أدونيس" توثيقاً عابراً لتلك الفترة التي من الواضح أنها لم تكن أقل خطورة مما حاول الفيلم تقديمه، ولا مجال للمقارنة بين البلدين، إلا أنه من الجيد التذكير أنه في العام 2023، ما زال لبنان صرحاً لقمع المثلية بدعمٍ قانوني، آخِره كتاب "جريمة المثلية الجنسية" للمحامي سلمان بركات الذي تم توقيعه برعاية نقيب المحامين ناضر كسبار، وسط تحريض لمدة ساعة خلال مهرجان ضد مجتمع الميم عين. لذلك قد نلوم وننتقد عدم أرشفة تلك الحقبة، لكن في الواقع ربما لا تختلف كثيراً عن الحاضر في ظل القمع ضمن الحرية المقنَّعة التي يعيشها مجتمع الميم عين في لبنان.
(*) عُرض الفيلم القصير في مهرجان "شاشات الواقع" في بيروت في دورته الـ18 الذي تنظمه جمعية متروبوليس ضمن سلسلة أفلام أخرى العام في "سينما مونتين" (المعهد الفرنسي في لبنان).
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها