ماذا لو نظرنا إلى الطبيعة على أنها الحبيبة، لا الأم؟ ألم نشعر جميعاً بشيء من النشوة تحت أشعة شمس دافئة أو عندما تداعب نسمة لطيفة خصلات شعرنا أو عندما نفرك أقدامنا بالطين؟ هذا ما تقترحه بيث ستيفانس وآني سبرينكل، وهما حبيبتان تصفان نفسيهما بالـEco-Sexual، أي أنهما تحبان ممارسة الجنس أو الحب مع الطبيعة. والفكرة من وراء تلك الممارسة هي خلق تقاطع بين النضال الكويري أو الجندري ومناصرة البيئة وحمايتها.
وبمزيج بين الفكاهة ولإستعراض والمعلومات العلمية، تنقل ستيفانس وسبرينكل الصراع من أجل حماية الطبيعة من الأعمال الصناعية الملوّثة إلى منحى جديد. وهذا ما تستعرضه الفنانتان/الناشطتان في فيلم وثائقي بعنوان: "وداعاً جبل غولي: قصة حبّ إيكو-جنسية" (2015)، الذي عُرض مؤخراً ضمن "أسبوع نيويورك للأفلام النسوية" في "سينما أنثولوجي" (Anthology Film Archives)، وهي صالة عرض أسطورية تهتمّ منذ السبعينيات بعرض الأفلام التجريبية والطليعية.
ويركّز الفيلم على عمليات مواجهة التنقيب عن الفحم، خصوصاً عبر تفجير قمم الجبال في منطقة سلسلة جبال الأبالاش في شمال الولايات المتحدة. ويبدأ الفيلم من زاوية حميمية شخصية بعودة "بيث" إلى مسقط رأسها في قرية غربي فرجينيا، تعتمد بشكل رئيس على إنتاج الفحم. وهناك، تلتقي بأختها وأقاربها وأصدقائها، وتتذكر طفولتها وسنين المراهقة، مركزةً على التحديات التي واجهتها بسبب هويتها الجنسية المثلية. وتعتمد كاميرا الفيلم على اللقطات العفوية، المصحوبة بتعليق صوتي حميمي وصور ومشاهد سوبر8 من أرشيف عائلة بيث. وينتقل الفيلم من الفردي إلى العام، ومن مسألة الهوية الجنسية والصراع مع المجتمع المحافظ، إلى كيفية حماية الطبيعة والأرض من إقتصاد رأسمالي يبحث عن إنتاج الكهرباء بأقل كلفة ممكنة على حساب الكائنات الحيّة الأخرى. وتعتمد المخرجتان على معلومات علمية تنقلها أحياناً عبر التحريك وهي غالباً مطعمّة بأسلوب فكاهي.
ويذكّر الفيلم (وإن كان بنسخة "سوفت"/أنثوية) بأفلام مايكل مور الذي يعتمد على الكاميرا كأداة لمواجهة السلطة. فنرى بيث، مثلاً، وهي تغني نشيد فرجينيا الذي يمجّد العلاقة مع الطبيعة أمام شرطيين أثناء إعتصام بيئي. ويحاكي الفيلم بأسلوبه أيضاً أفلام آنييس فاردا الوثائقية، بمزجه بين الفردي والعام، وبطريقة تعاطيه مع شخصياته. فالفيلم جزئياً هو بمثابة تحيّة للنشطاء البيئيين الذين يناضلون منذ سنوات، من أجل قضايا بيئية تلقى القليل من الإقبال في المجتمع الأميركي الإستهلاكي. ويتجاوز الفيلم فكرة النضال من أجل النضال، في مقابل التركيز على الغاية أو النتيجة من ورائه. وتركز بيث وصاحبتها آني (والتي كانت سابقاً في مجال العمل الجنسي) على الروابط الإنسانية والشخصية مع النشطاء، كما مثلاً في مشهد معانقة شجرة ضخمة تجمعهما بشاعرة بيئية ترثي موت الأشجار. وذلك في ظلّ الزمن الحالي القاتم لمناصري البيئة في الولايات المتحدة، بوجود رئيس يستهزئ بالإحتباس الحراري ويشجّع الصناعات الملوثة. قد يعكس هذا النوع الجديد من النضال "الهيبي"، مشاعر الإخفاق لدى البيئيين اليوم، والحنين إلى مرحلة الستينيات والسبعينيات التي نادت بالتحرّر الجنسي والحبّ كوسيلة لإنقاذ البشرية. مشاهد عديدة من الفيلم تظهر عناق بيث وآني، عاريتين في مجرى نهرٍ، وتلامسان الأحجار والتراب بحسيّة.
في منتصف الفيلم، تسعى بيث إلى تعلّم تسلق الأشجار العالية من أحد النشطاء، وهي أداة عصيان مدني تُستعمل لمواجهة عمليات قطع الأشجار، والفكرة أن يبقى الناشط في أعلى نقطة ممكنة في شجرة ما بحيث لا يمكن حتى لسيارة إطفاء أن تطاله. ويستعرض الفيلم تحركات بيئيين راديكاليين، لكنه يخلص إلى نوع من الإدراك لعبثية الصراع البيئي أمام ماكينة رؤوس الأموال الضخمة. لذا يبدو الحبّ هو الردّ المناسب. وتخلص بيث وآني إلى أنّ تتويج نضالهما لحماية الطبيعة، يكون بحفلة زواج رمزي، يجمع بينهما وبين الجبل الواقع تحت التهديد. وتقول آني في أحد المشاهد، إنّه أثناء حملات المناداة بالزواج المثلي في أميركا، علّق بعض المحافظين بأنّ المثليين قادرون أن يتزوّجوا من "أي شيء"، فتردّ ساخرة: لذا علينا أنّ نريهم أنّهم على حقّ. أما بيث فتتغزّل بالطماطم طوال الفيلم، كفاكهة "شديدة الحسّية".
وينتهي الفيلم بحفل زواج إستعراضي بملابس خيالية وطقوس ورقصن إحتفالاً بالطبيعة، في إشارة إلى أنّ الإجابة على مَن يريدون القضاء على الأرض، هي المزيد من مظاهر الحبّ. ورغم أنّ تلك المشاهد، بحميميتها، قد تبدو إنهزامية، وبعيدة من المواجهة، إلّا أنها تقترح أسلوباً جديداً في "إستمالة" مَن هم في الطرف الآخر.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها