في غضون ساعات بات كل شيء جاهزا للبدء بتصوير الفيلم عن الطائرة المصرية المختطفة إلى قبرص. تكفي قراءة ما كتب حول تلك العملية حتى يتألف السيناريو ويجري البدء بالتصوير. ألشخصيات موجودة كلها، وجاهزة، من الطيارين الذين وصلوا متعبين ومستنفذين إلى مطار القاهرة، وفرقة القناصة القبرصية التي أحاطت بالمطار من جميع جوانبه، ووزير خارجية قبرص، ورئيس جمهوريتها الذي لم يزد تصريحه عن ثلاث كلمات أو أربع أرجع فيها سبب الخطف إلى وجود المرأة في شكل عام. وكذلك هناك الراكبون الأجانب الذين قال أحدهم أنه لم يكن يعلم كيف يمكن أن يُحمل ما يقوم به هذا الرجل، مختطف الطائرة، على محمل الجد. ولنضف إلى ذلك التدرّج في مطاليب الخاطف التي بدأت بإسقاط الحكومة المصرية، وتحرير السجينات المصريات، ثم طلبه طلب اللجوء السياسي إلى إحدى دول الإتحاد الأوروبي، وصولا إلى مطالبته برؤية زوجته التي جيء به إلى المطار لتساعد طاقم التفاوض على إقناعه بإطلاق الرهائن.
ولنضف إلى ذلك إسراع الصحف في العالم لتغطية عملية الإختطاف موزّعة مندوبيها بين المطارات وعائدة بتاريخ عمليات خطف الطائرات إلى بدايته في سنة 1953 حين كان الطيارون يفرون بطائراتهم هربا من الحياة داخل ما كان يسمى الستار الحديدي، مرورا بخطف الطائرات من أجل المال كمثل ما قام به د.ب. كوبر في 1971 حين تمكن من جني مئتي ألف دولار هبط بها بالمظلة، حاملا كيس النقود معه، ولم يعثر عليه بعد ذلك. ثم دور الخاطفين "من الشرق الأوسط"، ثم عملية البرجين في 2001 التي ذكرت بعض الصحف أنها وضعت حدا نسبيا لعمليات خطف الطائرات بتشديدها الرقابات المختلفة، وبينها الإلكترونية والتصويرية الشعاعية على المسافرين.
عملية الخاطف المصري أظهرت عن ذلك المزيج من الكفاءة والحماقة في إعلام العالم، ما أعاد إلى الذاكرة فيلم The front page الذي أخرجه بيلي وايلدر في 1974 وقام ببطولته الثنائي الكوميدي جاك ليمون ووالتر ماتاو، بالإشتراك مع سوسان ساراندون. في الفيلم استنفرت الصحف الأميركية لتغطية نشاط ذلك الإرهابي المرعب الذي، لحظة ظهوره الأول في الفيلم، أنفجر المشاهدون بالضحك. كان فتى قليل الجسم مصابا بالزكام ويمثل هزاله النقيض الكامل لما ينبغي أن يكون عليه إرهابي يهدّد المدينة بالقتل والفوضى.
أو أن إعلام العالم أُخذ على حين غرّة في محاولته مجاراة للسرعة التي جرت فيها وقائع خطف الطائرة، تلك التي جعلت أحد الركاب يظن أن الأمر سينتهي على خلاف ما بدأ. كانت مفاجئة تلك السرعة التي يغيّر فيها ذلك الرجل طلباته التي انتهت مثلما انتهى إليه تعقّب الإرهابي في فيلم "ألصفحة الأولى". قال سيف الدين مصطفى للعالم المستنفر من حوله أنه لا يريد إلا أن يرى زوجته، وأن يرجع إليها وإن بصفة لاجىء سياسي في قبرص.
فيلم الطائرة المصرية جاهز لبدء التصوير إذن. لقد بات الجميع جاهزا، بل أن مشاهد من الفيلم ظهرت من قبل الشروع بتشغيل الكاميرات. من هذه مشهد الطائرة المزين هيكلها بالقلوب والورود الحمراء كما ظهرت على صفحة أحدهم في الفايس بوك، ومنها أيضا إحتفال الراكبات المصرية بالتصفيق والزغردة بعد أن عرفن، بحسب ما في صفحة مشارك فايسبوكي آخر، أنّ الخاطف سيأخذهن إلى قبرص وليس إلى القاهرة. كل شيء أنجز إذن، وهو أنجز إلى حدّ أن البعض يقولون أنه لم يعد من حاجة إلى الفيلم طالما أننا لن نصفّق للشيء الواحد مرّتين.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها