اختلفت كثيراً هيئة ميشال تامر عن صورة المهاجر اللبناني التي نراها في التمثال المطلّ على المرفأ من آخر جسر شارل حلو. في الصورة التي تُظهره واقفاً إلى جانب رجلي دين لبنانيين يبدو شديد الشبه بكتّاب أميركا اللاتينية، وبخورخي بورخيس منهم على وجه الخصوص. وهذا ليس غريباً على كلّ حال، فهو هناك في البرازيل منذ ولادته قبل 76 عاماً، بل منذ هجرة أبيه نخله إلى هناك قبل 91 عاماً. ثم إنه، من بين سني حياته الست والسبعين، لم يمكث في لبنان إلا سبعة أيام أو ثمانية استغرقتها رحلتاه إليه، ألأولى في 2005 والثانية في 2011. في هذه الإقامة الثانية أعيد لبنانياً من طريق إعادة الجنسية بلفتةٍ من رئيس الجمهورية ميشال سليمان. لكن على الرغم من لبنانيته المستعادة، لم يعد ميشال تامر إلى لبنان ولا مرّة واحدة في الخمس سنوات التي تلت. بل إنه، بدلا من ذلك، أمعن في برازيليّته فها هو سيخلف، خلال أيام ربما، رئيسة الجمهورية ديلما فانا روسّيف ليكون هو الرئيس، وهذا طبعا ما سيقلّل من احتمال عودته مرّة أخرى إلى هنا. وحتى إن حصل ذلك، فلن يكون لأكثر من يوم واحد أو يومين اثنين على الأكثر سيكون في أثنائهما رئيس البرازيل، وهذا ما يخفّض من إحساسه بلبنانيته إلى حدّ أنه، إن أتى ليفاوض على شيء ما، سيكون متصلّبا ولا يأخذ وضعنا بعين الإعتبار.
لقد صار برازيلياً تماماً. وإن كان ممكنا تقدير نسبة إحساسه بلبنانيته بمقابل برازيليته لن نستطيع أن نقول إنها 80 في المئة برازيلي، أو 85 في المئة أو 95، والباقي لبناني. الأرجح إنه برازيلي مئة بفي المئة، أما عن كونه لبنانياً فيمكن أن تكون الخمسة في المئة المحتملة واقعة في مئة أخرى منفصلة، كأن نقول إنه خمسة في المئة لبناني من دون أن تكون الـ95 في المئة الباقية تدلّ على شيء.
ما يبقى للبنان منه على الأرجح هو ذلك التمثال الذي أقيم له، أو ربما أقيم لأبيه تكريماً له، هو الإبن، في قريته الأصل "بتعبورة". وهذا التمثال سيكون مفيداً لأهل البلدة، إذ سيرفع من معنويات أهلها، ويُخرج مَن ما زال مقيماً فيها من شعوره بالضجر، ويحمّسه تالياً على أن يحذو حذو والد رئيس البرازيل المقبل، نخله تامر، من دون أن يلقى المشقّة التي لقيها هناك في سنة 1925. فالآن، إن ذهب أحد منهم مهاجراً إلى هناك، سيجد إبن بتعبورة رئيس الجمهورية ليعينه ويأخذ بيده.
تمثال المهاجر اللبناني، ذاك الذي لم يعد، أو الذي يعود قليلا، ها هو يرسل أحفاده إلينا في رحلات قصيرة لكي نروح نردّد تلك الفكرة المشتركة بيننا وهي أنهم لو ظلوا هنا في لبنان "لما طلع منهم شيء". ها إنهم يأتون إلينا متفوّقين علينا، سوبرمانات مثل ميشال تامر وكارلوس غصن و"رجال الكونغرس من أصل لبناني"، أو نساء خارقات مثل شاكيرا التي أثبتنا بالملموس أن جدّها لبناني وما زال اسمه مسجّلاً في دفاتر النفوس، والتي أكّدت لنا هي نفسها أنها لبنانية ببقائها بيننا ثلاثة أيام كاملة.
لو ظلّوا هنا في لبنان، كما هو حالنا، لم يكن سيطلع منهم شيء. ربما هذه هي العبرة الأولى التي علينا أن نستخلصها من التماع نجم لبناني جديد هو ميشال تامر. أما احتفالنا به، واحتفالنا أيضاً بمن سبقه من الذين من أصول لبنانية، فمفيد في هذه الأيام خصوصاً. ليس من أجل تشجيع شبابنا على الهجرة وترك البلد، فهذا يحصل الآن على نطاق يفوق كثيراً ما حصل في آخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. إفادته الآن تأتي من شعورنا، حين نسهر معا، نحن الأهل المهاجرين أولادنا جميعهم إلى بلدان العالم، أن مستقبلهم سيكون مؤمّناً هناك، بل وسيكون باهراً، وإليكم المثال.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها