عاشت العاصمة الإيطالية روما، الأسبوع الفائت، اشتباكات واضطرابات حادة، في أحدى ضواحيها "تورا سابينسا"، حيث قام سكان الحي بالهجوم على مركز استقبال للاجئين، وألقوا قنابل المولوتوف، وحرقوا حاويات القمامة. شتم السكان نزلاء المركز بعبارات عنصرية، محاولين اقتحامه، لولا تدخل قوات الأمن التي احاطت بالمبنى لأيام، بهدف حمايته. في حين قام النزلاء بإلقاء الأثاث من النوافذ رداً على هذا الاعتداء.
عمدة روما، قام بزيارة الحي، بحماية الشرطة، حيث لم يلقَ ترحيباً من الأهالي، وتم استقباله بالاحتجاجات والصفير، في حين قامت لجان الحي في الأيام التالية بالتظاهر أمام المباني الحكومية، مطالبة بتحسين وضع الحي وإغلاق مركز اللاجئين. وتصدرت المظاهرات لافتات تحمل عبارات مناهضة للاجئين كتلك التي تقول: "كفاية مع اللاجئين غير الحضاريين".
طبعاً، لم تغب زيارات السياسيين وممثلين الأحزاب، وخصوصاً اليمنية المتطرفة، لأهالي الحي بغرض دعم مطالبهم والترويج لحملاتهم الانتخابية القادمة.
رئيس لجنة الحي، قال إن "الأهالي نفد صبرهم" بسبب حالة الأهمال التي يعانون منها، ومن نقص الخدمات المعيشية منذ سنوات، والتي تفاقمت سوءاً في الآونة الأخيرة، حيث ارتفعت نسبة الجرائم، وبيع المخدرات وانتشار بائعات الهوى وعدم توفر الإضاءة الليلية، وفقدان الأمان. وبات الأهالي يخشون على أبنائهم ونسائهم، من الخروج ليلاً من دون مرافقة، بسب الازعاجات من الأجانب، بالإضافة إلى حوادث السرقة المتكررة في الحي.
في حين طالب بعض الأهالي بإغلاق المركز، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك، فطالب بنقل كل الأجانب الساكنين في المنطقة. وردّ بعضهم ساخراً على عمدة المدينة وأصحاب القرار فيها، مطالباً إياهم باستضافة الأجانب في حدائق منازلهم، ما دفع بأحد البرامج التلفزيونية إلى اطلاق حملة تصويت للإجابة عن السؤال التالي: هل تريدهم في حارتك؟
يُصرّ أهالي الحي على رفض وصف احتجاجاتهم بـ"العنصرية"، ويرون بأنه في ظل الضغط الإقتصادي الذي تعاني منه البلاد، ومشاكل العيش والبطالة، يجب اعطاء الأولوية للإيطاليين أنفسهم. هناك من اقترح تحويل المركز لاستقبال النساء والأطفال فقط، وهنا يبدو جلياً الصراع الداخلي الذي يعيشه المواطن الإيطالي بين حاجات عيشه وجانبه الإنساني.
في المقابل، وجّه قاطنو المركز، الخمسة والثلاثون، وأغلبيتهم من الأفارقة والأفغان والمصريين، رسالة إلى أهالي الحي، يدعون فيها إلى الحوار، ويتحدثون عن رحلة هروبهم من الحرب والموت بحثاً عن السلام، ودعوا الأهالي لأن لا يكرروا أخطاء من عاش الحرب، لأن العنف لا يجر غير العنف.
في الحي نفسه، يوجد أيضاً مركز للقاصرين الأجانب، الذين يصلون عادةً إلى إيطاليا عن طريق البحر، من دون مرافقة ذويهم، ما يلزم الحكومة باستضافتهم، وفقاً للقانون الأوربي، الذي يمنع إعادة أي قاصر إلى بلده، ما لم يكن بمرافقة ذويه. وحتى هذا المركز المسمى "الابتسامة"، لم يسلم من احتجاجات الأهالي، ما دفع السلطات المسؤولة إلى نقل قاطنيه إلى موقع آخر في مدينة "إنفيرنيتو". ولكن سرعان ما انتفض أهالي واشتبكوا مع المسؤولين. ليحاول بعدها، بعض القاصرين وأغلبهم من مصر، العودة إلى مركز "الابتسامة"، معلنين أنهم يريدون العودة إلى "بيتهم"، ولكن سكان الحي كانوا لهم بالانتظار، ليصرخ أحد السكان عندما رآهم: عادوا عادوا..
حتى هذه اللحظة، مازالت المفاوضات جارية بين الأهالي والجهات المختصة، ومازال الخلاف قائماً في تسمية ما يحدث في عاصمة البلد الجميل، كما يسمونه. هناك من وصف تلك الأحداث بحرب الفقراء، وهناك من وصفها بالوجه "العنصري" للمدينة. وما هو أكيد، ويتفق عليه الجميع، هو ضغط الحياة اليومية، في مدينة تنزح بأعبائها، كعاصمة لبلد مطحون بأزمته الاقتصادية، ولكنه يشكل بوابة النجاة، لبلاد مطحونة بحروبها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها