أعلنت وزيرة الإصلاحات الدستورية ماريا ألينا بوسكي، الخميس، خلال جلسة للبرلمان الإيطالي عن تحرير المتطوعتين الإيطاليتين فانيسا مارسوللو و غريتا راميللي، وسط تصفيق أعضائه فرحاً لنصرٍ آخرٍ يُسجل للحكومة بين سلسلة من الإنتصارات في مفاوضة الإرهابين وتحرير مواطنيها.
يذكر أن المتطوعتين المحررتين تبلغان من العمر 20 و 21 عاماً، وقدمتا إلى سوريا من أجل العمل في مجال الإغاثة وتم خطفهما في أواخر تموز/يوليو من العام الماضي، حيث أثارت قضية اختطافهما جدلاً واسعاً بين فئات المجتمع وتعرضتا إلى موجة من النقد الحاد والجارح من قبل مواطنيهم، في حين تضاربت المواقف حول جدوى تواجدهما في سوريا و ضرورة التفاوض لإنقاذهما.
فبينما ظهرتا في فيديو مسجل وهما مرتديتان الزي الشرعي لداعش، حيث حملت فيه أحدهما ورقة بيضاء تحمل تاريخ (17ـ12ـ2014)، قامت الأخرى بمناشدة حكومتهما أن تقوم بإنقاذهما وإعادتهما الى بيتهما قبل أعياد الميلاد محملةً إياها مسؤولية حماية حياتهما، التي أكدت أنهما معرضتان للخطر.
تنوعت مواقف المواطنين الإيطاليين تجاه خطف الفتاتين وندائهما الإستغاثي لحكومتهما، حيث رأى البعض أنهما قامتا برمي أنفسهما الى التهلكة ويجب عليهما مواجهة مصيرهما بمفردهما، بينما لم يفهم البعض ماهية الحاجة من الذهاب إلى سوريا تحديداً في حين كان بإمكانهما القيام بالأعمال التطوعية في إيطاليا. ولكن معظم ردود الفعل غلب عليها طابع الشماتة والسخرية، وقام أحدهم بإنشاء صفحة على الفايسبوك بعنوان" اللامبالاة المطلقة للناشطتين المخطوفتين بسوريا"، وقام المشاركون في تحوير ما كُتب على الورقة التي حملتها الناشطة المحتجزة في الفيديو، حيث كتب أحدهم عليها "المسلمون أشطر"، بالاضافة إلى العديد من التلميحات الجنسية الأخرى.
في حين ذهب البعض الى مناقشة جدوى التفاوض، والنقاش ركز على حجم المبلغ المالي الذي يجب على الحكومة دفعه لتخليصهما من أيدي "الدواعش"، وبرأيهم، فإن هذا المبلغ سيؤخذ من جيوب المواطنين الإيطاليين لتسليح إرهابيين سيقومون بتنفيذ هجماتهم ضدهم لاحقاً.
يذكر الإيطاليون أن حكومتهم دفعت ستة ملايين يورو لقاطع رأسي الصحافيين جيمس فولي و ستيفن ستولوف، من أجل تحرير مواطنها فيديريكو موتكا في آيار/مايو من العام الفائت، وهو كان يعمل مع دافيد هاينس الاسكتلندي، ثالث أجنبي قامت الدولة الإسلامية بإعدامه، بعد أن تم اختطافهما سوياً، ولكن حكومة لندن رفضت المفاوضة عليه محافظةً بذلك كمثيلتها الأمريكية، على سياستها في "عدم الإنحناء للإرهابين"، وذلك على خلاف الحكومة الإيطالية التي حررت جميع مواطنيها المختطفين في الخارج أو إستعادت جثامينهم دافعةً الملايين عبر ميزانيات مخصصة لهذه الحالات. وهذا يعني أن إيطاليا لم تفاوض الإرهابين فحسب، و إنما أغنتهم أيضاً، فهناك من يعتقد أن إستمرار الحكومة الإيطالية في دفع الفدية لخاطفي مواطنيها سيعرضهم أكثر للخطر كونها تحولهم الى "سلعة" قابلة للشراء، كما أنها تؤذي سياسات الدول الأخرى وتخرج عن نهج الإئتلاف في محاربة الإرهاب.
وشككت مجلة سبوندا سود "الضفة الجنوبية "، وهي مجلة جيوسياسية موالية للنظام السوري و حزب الله، في حادثة الخطف التي تبنتها جبهة النصرة وأكدها المرصد السوري لحقوق الإنسان بلسان الناطق الرسمي بإسمه، الذي صرح عن توارد معلومات تؤكد صحة الخبر و إحتجازهما في الريف الغربي لحلب. إلا أن الشكوك استندت إلى صورة نُشرت لهما خلال مشاركتهما في وقفة تضامنية مع الثورة السورية في العاصمة الإيطالية، وهما حاملتان علم الثورة السورية ولافتة بيضاء كتب عليها "الى أبطال لواء الشهداء، شكراً للإستضافة وانشالله منشوف إدلب حرة بس نرجع"، قال كاتب المقال في المجلة إن لواء الشهداء هو مجموعة تابعة لجبهة النصرة، ذراع القاعدة في سوريا، وأشار بالتالي إلى وجود علاقة مسبقة بين الناشطتين والفصائل الإسلامية.
قامت المجلة ذاتها بنشر مقال آخر عن الموضوع معتبرة أن عملية الخطف "ليست مصادفة"، وتساءلت عن كيفية عبور الفتاتين "غيرالشرعي" للحدود التركية السورية، وحول الجهة التي سهلت عبورهما. وأكدت في السياق استحالة الوصول إلى بعض المناطق في حلب إلا في حال معرفة أشخاص من الداخل، ودعت الحكومة الإيطالية الى توضيح أسباب تواجد إثنين من مواطنيها هناك وعن ماهية عملهم، كما طالبت بفتح قنوات دبلوماسية مع دمشق.
المتطوعتان المحررتان وصلتا، صباح الجمعة، إلى مطار روما على متن طائرة خاصة قادمة من تركيا، وكان في استقبالهما وزير الخارجية باولو جنتلوني بالإضافة الى أهل وأصدقاء الفتاتين، ليتم بعدها نقلهما الى المشفى العسكري للخضوع للفحوص الصحية الضرورية، وسارعت بعض الصحف الى إستنتاجات تفيد عن تعرضهما لسوء المعاملة، من خلال ما أظهرته الصور الأولى الملتقطة لحظة نزولهما من الطائرة، كما ستقفان اليوم السبت أمام محكمة روما التي فتحت تحقيقاً في قضية الخطف.
يذكر أن قناة "الآن" الإماراتية هي أول من أذاع نبأ دفع مبلغ 12 مليون دولار لتحريرهما، لتنشره من بعدها صحيفة الغارديان على أنه خبر غير مؤكد، بينما تنكر الحكومة الإيطالية وتؤكد عدم دفع أي فدية للخاطفين.
بعيداً عن كل الإعتبارات السياسية والإجتماعية لمن هاجم أو دافع عن إختيار فانيسا وغريتا الإنتماء إلى قضية الشعب السوري، ثمة حاجة للإجابة عن أسئلة حول جدوى المفاوضة على المختطفين ودفع فدية مقابل إطلاق سراحهم. أليس ممكناً أن يشكل هذا النهج، تمويلاً غير مباشر للإرهابيين؟ وهل من العدل إنقاذ شخص ليموت بالمقابل آلاف من الأشخاص من الضحايا والأبرياء؟ أم يجب تكريم من شارك السوريين الوجع و ربط مصيره بمصيرهم؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها