يُعد الإضراب عن الطعام شكلاً من أشكال المقاومة السلمية؛ حيث يقوم المشاركون فيه بالإمتناع عن الطعام كفعل إحتجاجي، أو ربما لإشعار الآخر بالذنب، وذلك لتحقيق هدف محدد أو نيل مطلب معين. ويرجع تاريخه إلى ما قبل المسيحية، وتحديداً في إيرلندا حيث استخدم إضراب الجوع، كوسيلة للاحتجاج. وغالباً ما يكون الإضراب أمام منزل الجاني، بهدف إلحاق العار به، لعدم إحسانه فنون الضيافة، والسماح لمن لجأ إلى عتبة بابه بالموت جوعاً تحت ناظريه.
هكذا أيضاً عبّر اللاجئون السوريون في اليونان عن سوء إستضافتهم، فوقف حوالي 300 متظاهر، في 19 تشرين الثاني/نوفمبر، في ميدان سينتاغما، وسط أثينا، بجانب مبنى البرلمان اليوناني، رافعين لافتات باللغة العربية والإنكليزية واليونانية، كُتب عليها "هربنا من الموت في سوريا لكي نتشرد في اليونان". بعد أيام، بدأوا إضراباً مفتوحاً عن الطعام، مغلقين أفواههم بشرائط لاصقة، وطالبوا الحكومة اليونانية بتحسين أوضاعهم كلاجئين، وإعادة النظر في اتفاقية دبلن الملزمة بطلب اللجوء في بلد الوصول، وفتح ممرات إنسانية ومنحهم أوراق عبور.
وقد قام عضو إئتلاف اليسار الراديكالي "سيريزا"، يانييس ميكالوجاناكيس، بالتخييم مع المتظاهرين السوريين والإضراب عن الطعام مثلهم، لدعم مطالبهم، والسماح لهم بترك اليونان والإلتحاق بأقاربهم في بقية أنحاء أوربا. ميكالوجاناكيس اتخذ موقفه، بعد سماعه خبر وفاة لاجئين سوريين، كانوا من ضمن المعتصمين في ميدان سينتاغما؛ حيث قرر أحدهم وهو أيمن غزال، حلبي الأصل 50عاماً، بعد إثني عشر يوماً من الإعتصام، عبور الحدود اليونانية الألبانية مشياً على الأقدام مع ثلاثين شخصاً، ولكن بعد الساعة الأولى من رحلتهم، وعبورهم أحد الأنهار، تعرض لنوبة قلبية، وتم نقله الى أحد المشافي حيث توفي هناك. وفي تغريدة لإحدى المعتصمات، قالت إن غزال مات برداً في غابات ألبانيا، ومات حلمه بأوربا معه. أما الآخر فقد توفي في أحد مشافي أثينا، حيث نقل اليها بعد تعرضه لنوبة قلبية، بعد أيام من الإضراب عن الطعام.
تم استبعاد آخر المعتصمين في 15 كانون الأول/ديسمبر، من قبل الشرطة المحلية، وعددهم 51 شخصاً، بينهم ست نساء وطفلان، عن ميدان سينتاغما، وأرسلوا إلى مراكز استقبال مؤقتة تابعة للبلدية.
وزارة الداخلية اليونانية، كانت قد وزعت منشوراً مكتوباً باللغة اليونانية والإنكليزية، حمل عنوان "لاجئ من سوريا"، ودعت فيه السوريين لفض إعتصامهم، وطلب اللجوء كونه الخيار القانوني الوحيد الذي يملكونه، والذي من شأنه تأمين الرعاية الصحية المجانية لهم، ومنحهم حق العمل والسفر إلى بلدان أوروبية أخرى، لثلاثة أشهر، مرتين في العام.
كما ورد أيضاً أن الحكومة اليونانية، وبلدان الإتحاد الأوروبي، لا تستطيع منح ورقة العبور إلى بقية أنحاء أوروبا، والتي كانت أحد مطالب المعتصمين، لأنها غير موجودة أصلاً في القانون.
وذكر المنشور، أن الحكومة اليونانية غير قادرة على توفير السكن لجميع اللاجئين السوريين، ولكنها ستعمل على دراسة إمكانية توفيره لمن يحصل على حق اللجوء، وخاصة من العائلات ذات الأطفال الصغار ممن ينامون في الشوارع.
وينتهي المنشور بحث اللاجئين على إنهاء الإعتصام وإخلاء الساحة، بخاتمة تقول: لن تكسب شيئاً إذا بقيت في ساحة سينتاغما، يجب عليك أن تتبع الطريقة الوحيدة إذا أردت أن تعيش بكرامة؛ عليك طلب اللجوء.
وقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 11 كانون الأول، حكمين بإدانة الحكومة اليونانية على مخالفتها المادة الثالثة من قانون الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، حين قامت بإعتقال إداري للاجئيَن سياسييَن، أحدهما من أصل عراقي والآخر إيراني، لمدة ستة أشهر في أحد مخافر الشرطة. المحكمة أقرت بالمعاملة غير الإنسانية، والإهمال تجاه المهاجرين، وطالبي اللجوء، من قبل الحكومة اليونانية وألزمتها بدفع غرامة مادية قدرها 15 ألف يورو.
يذكر أن الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي عقدت إجتماعاً في 27 كانون الثاني/يناير 2011 في ستراسبورغ، حددت فيه بعض الدول التي تعاني من قصور في أنظمتها الرئيسية، وتملك نقاط ضعف في تشريعاتها وممارساتها، التي أفرزت إنتهاكات متكررة للإتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان. من هذه الدول اليونان.
منذ سنوات والتقاريرالدولية تؤكد إستمرار السلطات اليونانية في إنتهاك حقوق اللاجئين، ولكنها بقيت غير قادرة على إيجاد حل لأولئك الذين يجدون أنفسهم محاصرين في بلد يعاني من نقص منهجي في أنظمة الاستقبال. ولهذا علقت المحاكم الدولية قانون دبلن القاضي بإعادة المهاجرين إلى اليونان. وعلى الرغم من ذلك، سُجلت إنتهاكات من بعض الدول؛ حيث تمت إعادة سوريين، في تشرين الأول/أكتوبر، إلى أثينا، بعد وصولهم بطريقة غير شرعية إلى مطار روما.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها