في أحد شوارع منطقة الشيخ سعد في حي المزة الدمشقي، يتجمع شبان تتراوح أعمارهم بين 17 و19 عاماً، يتبادلون الأحاديث. للوهلة الأولى يبدو أنهم ينتظرون أمام إحدى شعب التجنيد لسوقهم للخدمة الإلزامية، المشهد الذي بات يألفه أهل العاصمة. لكن لا، أولئك الشبان يتجمعون أمام مكتب لإحدى الشركات الأمنية الخاصة.
لا يضع المكتب لافتة، ولا يُعلقُ طلبات لموظفين جدد، فهو مكتب لإحدى الشركات الأمنية الجديدة في سوريا، التي باتت تشبه أحياناً المكاتب العقارية. لا إشارة توحي بطبيعة العمل الحقيقية الذي تقوم به تلك الشركة للتجهيزات الأمنية.
الاهتمام الاعلامي الذي تحظى به الشركات الأمنية الخاصة، وملصقاتها العملاقة على طريق دمشق-بيروت، وعلى طريق مطار دمشق الدولي، والجناح الذي احتلته في معرض دمشق الدولي، يعكس الحجم المتنامي الذي تأخذه، والدور الذي ستلعبه مستقبلاً.
سيرة ذاتية
أحد العاملين في شركة أمنية، قال لـ"المدن"، إن مسيرته المهنية في مجال الأمن الخاص، بدأت مع "جمعية البستان الخيرية"، وكان أوج عمله في العام 2008، تزامناً مع فعاليات "دمشق عاصمة للثقافة العربية". العمل في "البستان" كان يقتصر على تأمين دخول الفنانين والفنانات إلى المسرح، واستقبالهم، وتنظيم تفاعلهم مع الجمهور، وضمان التزامهم باللباس الرسمي، ومنع حمل أي سلاح؛ وكذلك إعلام رئيس المجموعة الأمنية عند حدوث أي طارئ.
وبعد العام 2008، تعاقدت "جمعية البستان" مع عدد من المكاتب العقارية ومكاتب الأفراح، لرفدها بمجموعات أمنية؛ "غروبات حماية"، وقد كان الهدف التنظيمي آنذاك يفوق المهام الأمنية الموكلة إليها.
وتوقف عمل تلك "الغروبات" في العام 2011، بعد تعميم من وزارة الداخلية لوقف منح التراخيص لها، خارج إطار مرافقة الشخصيات الرسمية أو المشاركة في مهام الأجهزة الأمنية.
شركات إيرانية وروسية
في العام 2013 ازدادت زيارات السياحة الدينية من العراق وإيران إلى دمشق. وبحسب مصادر "المدن" في دائرة الهجرة والجوزات في العاصمة، فإن تشجيع السياحة الدينية وحمايتها كان بطلب من طهران، ليحوز على اهتمام وزارة السياحة.
تفجير حافلة للزوار الشيعة في دمشق، في العام 2015، كان السبب المباشر لإعلان إيران نيتها تأسيس مكاتب لحماية الحجاج الشيعة في سوريا. وتمّ تأمين الحماية للحجاج الايرانيين والعراقيين، عبر شركات أمنية عراقية خاصة. وجاء رد الحكومة السورية على العرض الإيراني بالموافقة على ترخيص شركات أمنية خاصة لحماية الحجاج الشيعة، تشرف عليهم وزارة السياحة بالتنسيق مع وزارة الداخلية.
ذراع إيران الطويلة في هذه الشركات الخاصة هي "شركة القلعة للحماية". وتتخذ "القلعة" من حي "المزة/فيلات غربية" مركزاً لإدارتها. وقد تلقّى جميع موظفيها تدريبات خاصة في إيران، وهي الشركة الخاصة الوحيدة التي لديها صلاحية تفكيك الألغام والمواد المتفجرة.
وقد تم ترخيص "القلعة" في العام 2017، ولكنها تعمل منذ العام 2013 في مرافقة الزوار الشيعة من مطار دمشق إلى المراكز الدينية. كما أن لها نقطة ثابتة للمراقبة في محيط "جامع الست رقية"، أحد اكبر مزارات الشيعة بدمشق. وكذلك تشرف الشركة على تأمين مرور البضائع التجارية من مرفأ طرطوس باتجاه دمشق وحمص وحلب. وتساهم قناة "سما" الموالية بالترويج لها.
ولروسيا حصتها أيضا في الشركات الأمنية الخاصة؛ كشركة "الشروق" للخدمات الأمنية، الكائنة في حي "الشعلان". وتقوم شركات الأمن الخاصة المدعومة من روسيا، بحماية بنوك بيمو وسوريا والمهجر والبركة والبنك الدولي الإسلامي، وكذلك فندق السفير في حمص الذي شهد المفاوضات بين الأحياء المحاصرة من جهة والنظام من جهة أخرى أثناء حصار حمص.
يضاف إلى ذلك أن "الشروق" تحمي مدينة حسياء الصناعية، وكذلك تعهدت مراسم افتتاح السفارة الإماراتية في سوريا.
ترخيص من وزارة الداخلية
جميع شركات الأمن الخاصة تتبع لوزارة الداخلية في منطقة كفرسوسة؛ ضمن فرع شركات الحماية الخاصة في الوزارة والذي تأسس عام 2013 بموجب المرسوم 55. سجلات العام 2019 للشركات العاملة بدمشق، تشير إلى أن 78 شركة أمنية خاصة مرخصة تعمل في سوريا.
ويُحذّرُ النظام من التعامل مع أي شركة أمنية غير مرخصة، ويضع شروطاً لقبول ترخيصها، كأن تكون محدودة المسؤولية، لها سجل تجاري.
موظفة في وزارة الداخلية، قالت لـ"المدن"، إن القانون 55 الناظم للشركات الأمنية الخاصة يصنف الشركات إلى فئات؛ الأولى بما يزيد عن 800 حارس، وتتراوح الثانية بين 500 إلى 300، والثالثة أقل من 300 موظف. وجميع الشركات العاملة في سوريا هي من الفئة الثالثة.
وبعد تأمين السجل التجاري، يتم تقديم الطلب ويشترط وضع جميع أسماء موظفي الشركة فيه، لتُرفع الأسماء إلى وزارة الداخلية، ومن هناك إلى "مكتب الأمن الوطني" الذي يعطي الموافقة بعد إرساله أسماء العاملين إلى فروع الأجهزة الأمنية للموافقة عليها.
ويمنع المرسوم 55/2013 الشركات من الحصول على أي نوع من المعدات إلا عن طريق وزارة الداخلية مباشرة. مصدر من وزارة الداخلية، قال لـ"المدن"، إن خلافاً قد وقع على هذه المادة القانونية، إذ تم حذفها في النسخة الأولى من المرسوم، وتم التوصل لحل هو/ "أن يتم الشراء بشكل مباشر من قبل هذه الشركات لكن بعد موافقة وزارة الداخلية ومكتب الأمن الوطني". والمسؤول عن ملف الشركات الأمنية في مكتب "الأمن الوطني" هما ضابطان متقاعدان يعملان لصالح "الأمن العسكري".
وغالباً ما يتم رفض قوائم أسماء موظفي الشركات من قبل "المكتب الأمني"، خاصة أولئك المنحدرين من مخيم اليرموك والقطاع الجنوبي في دمشق.
وبحسب مصادر "المدن"، فإن ضباطاً متقاعدين يعملون لصالح "الأمن العسكري" أو "المخابرات الجوية" يُشرفون على موظفي الشركات الأمنية. ويترأس كل مجموعة ضابط متقاعد من قوات النظام. ويخضع العاملون لدورات رياضية وتأهيلية، لمدة شهر في إيران، على حساب ونفقة الشركة.
المنافسة محتدمة
أكثر من 70 شركة أمنية مرخصة فُتح الباب أمام المنافسة بينها، ولكن تبقى شركة "القلعة" المدعومة إيرانياً وشركة "الشروق" المدعومة روسياً، هما الأقوى على الساحة. ومن الشركات المنافسة "قاسيون" لرامي مخلوف، والتي تأسست عام 2014 وتتخذ من بناء "سيتي مول" في كفرسوسة مركزاً لها، رغم أن السجلات الرسمية تقول إنها مسجلة في جرمانا بريف دمشق.
لا تأمينات.. ولا رواتب
وليس لهذه الشركات سجلات حقيقية لدى التأمينات الاجتماعية، ومن أصل 300 موظف لكل شركة موافق عليهم من وزارة الداخلية، فإن من هم مسجلين في التأمينات الاجتماعية، يترواح لكل شركة بين 12 و42 موظفاً.
موظف لدى شركة "الشروق" يقول لـ"المدن"، إن 90% من موظفي الشركات الأمنية الخاصة، لم يتم تسجيلهم في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبالتالي لا يحصلون على أي تعويض في حال تعرضهم للإصابة في ميدان عمل شديد الخطورة. وكذلك، لا يحصلون على تعويض في حالة الطرد أو الوفاة. ويضيف الموظف: "يتم توقيعنا جميعا على استقالتنا قبل المباشرة بالعمل".
وبدل الرواتب الشهرية، تدفع هذه الشركات لموظفيها تعويضاً يومياً عن الأيام التي يعملون بها. ويتراوح أجر العامل بين 150 ليرة إلى 250 ليرة، للساعة الواحدة، من دون إبرام أي عقود.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها