ما زالت امتحانات الشهادة الإعدادية تتواصل في مناطق سيطرة النظام، منذ أسبوع، بعدما استنثي منها طلاب الغوطة الشرقية من دون سبب واضح. وقد بررت وزارة التربية ذلك، في تعميم داخلي للمنظمات الدولية، بعدم اكتمال الاجراءات اللوجستية لذلك. وزير التربية وعد في يوم انطلاق الإمتحانات، باجراء امتحانات لطلاب الغوطة، في دورة صيفية.
بعد مراجعة "المدن" لمديرية تربية ريف دمشق، في منطقة باب مصلى، تبين أن التربية كانت قد حصلت على الموافقات اللازمة لـ"إعادة تأهيل" عدد من المدارس في الغوطة الشرقية، بشكل اسعافي، كي يتسنى للطلاب هناك "الإندماج" بالعملية التعليمية، وإجراء الإمتحانات.
أحد موظفي المنظمات التي أشرفت على تأهيل المدارس، ومصادر من وزارة التربية، أشاروا إلى اجتماع عُقِدَ في آذار/مارس بحضور رئيس "مكتب التربية والطلائع" في "القيادة القطرية لحزب البعث" حامد خليف، ومدير التربية في ريف دمشق ماهر فرج، بهدف إعادة تأهيل القطاع التدريسي في الغوطة الشرقية، و"جبر الضرر" عن المدارس ليستطيع طلاب الشهادات الإعدادية والثانوية تقديم الامتحانات.
وبحسب مصادر "المدن"، فقد أعلن مدير التربية ماهر فرج، بإن قيادة النظام مهتمة بتقديم الطلاب للإمتحانات، لتكون رسالة للعالم أجمع على "أهمية عودة الغوطة لحضن الوطن". في حين تعهد حامد الخليف، بالحصول على جميع الموافقات الأمنية التي تحتاجها المنظمات لمباشرة سير العملية التدريسية في الغوطة.
الخطة التي قدمتها وزارة التربية كانت تتضمن تأهيل 20 مدرسة قادرة على استيعاب 5 آلاف طالب، على أن تموّل المنظمات الدولية العاملة في سوريا "إعادة التأهيل".
إصرار وزارة التربية على التأهيل السريع للمدارس كان لافتاً، خاصة وأن سياسة إدارة المناطق التي أعاد النظام السيطرة عليها كانت مختلفة؛ فعند انتهاء العملية العسكرية في الغوطة الغربية قبل عامين، لم يكن ملف التعليم ملحاً، وإلى الآن يُمنعُ العديد من الأهالي من زيارة قراهم. في القطاع الجنوبي لدمشق ترفض قوات النظام عودة الاهالي إليه، وكذلك في الزبداني والقلمون. ويربط النظام ملف إعادة تأهيل المدن بكافة قطاعاتها، بملف إعادة الإعمار الكامل.
وبحسب مصادر متقاطعة من المنظمات المكلفة بإعادة تأهيل المدارس في الغوطة، فإن وراء الإصرار على المشروع يقف كل من مدير التربية في ريف دمشق ماهر فرج، ورئيس "مكتب التربية والطلائع" في "حزب البعث" حامد خليف، بالتنسيق مع ضباط في "الأمن السياسي" وعلى رأسهم العقيد مالك الهادي. وتعاقدت "التربية" مع عدد من متعهدي البناء، ممن قدموا عروضاً للفوز بمشاريع إعادة تأهيل المدارس. جميع المتعهدين يرتبطون بعلاقات قوية بالهادي أو خليف أو فرج.
محاولة وزارة التربية بالتعاون مع قيادة "حزب البعث" وبغطاء من "الأمن السياسي"، لتأهيل المراكز الامتحانية بسرعة، تمّت بالضغط على المنظمات للتعاون مع متعهدين محددين، وإلزام المنظمات بدفع تكاليف مبالغ فيها، يتقاسمها المتعهدون وفرج وخليف والهادي.
وباشرت مديرية التربية بإقامة دورات تقوية لطلاب الغوطة بغية تأهيلهم لخوض الامتحانات النهائية، ويشرف عليها أساتذة عيّنتهم مديرية التربية، ليتقاضوا رواتب تصل إلى ثلاثة أضعاف رواتبهم الأصلية، بتمويل من المنظمات الدولية. وتبلغ ساعة الأستاذ في هذه الدورات حوالي 700 ليرة سورية (الدولار بحدود 450 ليرة)، في حين أن راتب الأستاذ في المؤسسات الرسمية لمدة شهر كامل، لا يتجاوز 100 دولار. ويُشكّلُ التدريس في هذه الدورات، باباً جديداً للتربح عبر شبكة المحسوبيات والمنتفعين.
أيام العسل لمديرية التربية في الغوطة الشرقية، لم تدم طويلاً، وبدأ التضييق على النشاطات التعليمية بعدما منع حاجز النشابية إدخال أقلام التلوين إلى المدارس في الغوطة، خوفاً من قيام الأطفال برسم أعلام الثورة أو رموز مناهضة للنظام. عاملة في إحدى المنظمات قالت لـ"المدن": "بدأنا نتعرض للعديد من محاولات التضيق أثناء محاولتنا القيام بدروس تعليمية أو نشاطات لأطفال الغوطة، وأصبحت الحواجز التابعة لكل من المخابرات الجوية والأمن العسكري، تقوم بإنزالنا والتحقيق في آلية عملنا، وماذا نريد من هذه المشاريع".
ووفق المهندسين المشرفين على العمل فقد "كان هناك تسهيل لعملنا، في البداية، وتعاون جزئي من قبل الحواجز، لكن بعد أيام أصبح هنالك تدقيق كبير علينا، وأصبح إدخال المواد أكثر صعوبة".
مهندس عامل في إحدى المنظمات ومشرف على مشاريع تأهيل في الغوطتين الشرقية والغربية، قال لـ"المدن": "الفارق هذه المرة أن ملف تفعيل عمل المنظمات الدولية كان أسرع من بقية المناطق. هناك رغبة من النظام بإنجاز أكبر في الغوطة الشرقية على حساب المناطق الأخرى". وأضاف: "اختلفت آلية العمل عما كانت عليه سابقاً عندما كان العمل يتم من خلال الحصول على موافقة النظام المتمثلة بوزارة التربية أو الشؤون الاجتماعية والعمل. في الغوطة الشرقية، يجب الحصول فقط على موافقة من وزارة التربية".
ورغم التضيق الجزئي استمر العمل على إعادة تأهيل الصفوف، وبدأ الطلاب الالتحاق بالدورات التعليمية للتقديم للامتحانات.
طلاب الغوطة الشرقية الذين تقدموا لامتحان الشهادة الثانوية، بعدما حصلوا على الشهادة الإعدادية في ظل حصار مليشيات النظام للغوطة، رفض النظام الإعتراف بأهليتهم لذلك. واعتبر النظام أن الشهادة الإعدادية التي حصلوا عليها هي من مؤسسة تابعة لـ"الائتلاف المعارض"، وبالتالي غير مُعترف بها.
طلاب الشهادة الإعدادية في الغوطة استمروا في انتظار افتتاح مراكز الإمتحانات، حتى 13 أيار/مايو، موعد انطلاق الامتحانات في عموم مناطق سيطرة النظام. وكان مقرراً نقلهم إلى دمشق لاجراء الامتحانات في مراكز خاصة بهم، بعدما عطل "الأمن العسكري" و"المخابرات الجوية" عملية "إعادة تأهيل" المدراس في الغوطة.
انتظر العديد من الطلاب وصول الحافلات، قبل أن تعلن وزارة التربية عن عدم إمكانية تقديم طلاب الغوطة للامتحانات، "بسبب عدم وجود مواصلات". بعد شهرين من الوعود والتجهيز، جاء قرار المنع، بحسب مصادر "المدن" المتطابقة من موظفين في وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والعمل، خلال اجتماع بين رئيس الوزراء عماد خميس، ووزيرة شؤون الدولة للمنظمات سلوى عبدالله، ووزيرة الشؤون الإجتماعية والعمل ريما القادري، مع عدد من القيادات الأمنية.
حكومة خميس أخطرت الأجهزة الأمنية بما اعتبرته تطاولاً من "الأمن السياسي" ومحاولة زيادة نفوذ على حساب "المخابرات الجوية" و"الأمن العسكري". "الجوية" و"العسكري" منعوا عودة الطلاب إلى مقاعدهم الامتحانية، بحجة "عدم تسوية أوضاعهم" بشكل كامل. بينما كانت الحرب الداخلية بين وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة المنظمات من جهة، ومديرية التربية و"حزب البعث" من جهة أخرى، تستخدم ملفات الفساد كذرائع للتغطية على الخلاف في توزيع الحصص بينها.
في حرب المواقع بين "مؤسسات الدولة" والأجهزة الأمنية من خلفها، كان طلاب الغوطة هم الضحايا، فحرموا من تقديم الامتحانات الرسمية، للسنة الرابعة على التوالي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها