غصّت دمشق خلال الأيام الماضية بصور المرشحين لانتخابات الإدارة المحلية، وأغلبها لذكور تخطوا الأربعين، 80 في المئة منهم بعثيين من أعضاء ورؤساء "الفرق الحزبية". استيقاظ "حزب البعث" في الانتخابات المحلية، التي انطلقت الأحد، وإعادة تفعيل مركزيته وإحياء صورتها كحزب يمسك مفاصل الحياة السياسية، تأتي وعلى عكس المتوقع؛ إرضاءً لإيران، التي تسعى إلى تثبيت وزن لها في المزاج الشعبي، بعدما فقدت أجزاءً من دورها في ظل الهيمنة الروسية العلنية على كل مفاصل القرار السياسي في البلاد.
ثمة توافق روسي-إيراني على إجراء الانتخابات في موعدها، لايصال رسالة إلى الخارج، بأن الحياة السياسية والمشاركة الشعبية في صنع القرار تعود إلى طبيعتها في معظم المناطق السورية. في الوقت ذاته، تسعى إيران لتأمين علاقة طيبة بين مستشاريتها الثقافية وأعضاء مجالس المحافظات، والمجالس المحلية.
مصادر من "محافظة دمشق"، قالت لـ"المدن"، إن اجتماعاً حصل بين النائب القُطري المساعد لـ"حزب البعث" هلال هلال، وأعضاء من المستشارية الثقافية الإيرانية على رأسهم أبو الفضل صالحي نيا ومحمد هادي تسخيري، في "مجمع صحارى"، في حزيران/يونيو، أبلغت فيه المستشارية الحزب، أن "إيران تولي اهتماماً كبيراً لانتخابات الإدارة المحلية".
وقالت المصادر إن "إيران لا ترى في هذه الانتخابات معركة محلية داخلية، بل جزءاً من معركة توازي المعارك الميدانية التي تجري على الأرض".
سعي إيران إلى تثبيت وجود لها بين أصحاب القرار المحليين، يأتي كخطوة لتعزيز دورها، عبر وضع أشخاص على علاقة جيدة مع المستشارية الإيرانية، أداة إيران الناعمة في سوريا، بعدما سيطرت روسيا على معظم مفاصل المؤسسات ودوائر القرار الرسمية.
إيران تعهدت في اجتماع "مجمع صحارى" بتقديم المعدات اللوجستية لدوائر دمشق وريفها وحمص، التي توليها الاهتمام الأكبر، وكذلك قدمت معونات مادية وعينية للشعب الحزبية في تلك المناطق لضمان إتمام العملية الانتخابية بـ"الشكل الصحيح".
خطوة إيران في أن يكون لها رعايا وحلفاء في الانتخابات المحلية، تأتي لتشكيل "جماعة ضغط/لوبي" تمده بالمال السياسي مقابل أن يكون لها تأثير في قراره المحلي، وأن يكون لها دور في "إعادة الإعمار"، إذ ستكون المجالس المحلية المنتخبة، الأداة التنفيذية لإعادة الإعمار.
وبحسب مصادر "المدن"، فقد استلمت "القيادة القطرية لحزب البعث" من المستشارية مليوني دولار، دعماً لانتخابات الإدارة المحلية. وبحسب ما نقلته المصادر عن كلام الطرف الإيراني في الاجتماع، فإن إيران تدفع هذه الأموال سعياً لـ"دفع العملية السياسية وتثبيت الاستقرار في سوريا".
المستشارية كانت رعت العديد من الندوات التثقيفية، لضرورة المشاركة في الانتخابات، في دمشق وحمص، وكان آخرها سلسلة الورشات التي أقامتها "حركة البناء الوطني" قرب حديقة الجاحظ في العاصمة دمشق.
خيار إيران بالاستثمار في إعادة إحياء "حزب البعث"، لاقى الكثير من الترحاب، بعدما تراجع دور زعماء الفرق الحزبية، وباتوا يشعرون بالمظلومية أمام قادة المليشيات التي ظهرت وأصبحت الأمر الناهي في مناطق سيطرة النظام.
في نيسان/أبريل، رعت إيران إعادة تفعيل الشعب الحزبية، والحلقات الحزبية، في الغوطة الشرقية بعد سيطرة النظام عليها، وعملت على إعادة سلطة الحزبيين.
وبحسب الأهالي، فقد عادت سطوة أعضاء ورؤساء الفرق الحزبية، وأعطيت صلاحية لبعض الأعضاء بإخراج أقربائهم من "مراكز الإيواء المؤقتة" والمخيمات التي أقيمت في الغوطة. وصار بمقدور بعض الأعضاء منح عائلات "الحق" بتفقد بيوتها، في ظل تراجع نسبي لنفوذ قادة مليشيات النظام.
طلبات إصلاح المرافق والخدمات العامة، وتأمين مياه الشرب، وتأهيل المدارس، عاد ليتم من خلال الفرق الحزبية، والتي تقوم بالتواصل مع الهلال الأحمر، الذي يقوم بدوره بالتواصل مع المنظمات الدولية التي تمول تلك المشاريع.
الخطوة الإيرانية الثانية لإعادة سيطرة الفرق الحزبية، كانت بدعم قرار أصدره الحزب في أيار/مايو، بمنع ترشّح أي شخص ضمن قوائم "الوحدة الوطنية" سبق وترشح في انتخابات العام 2011، واشتراط أن يكون الشخص "وطنياً"، "لم يقم بإهانة الدولة السورية".
القرار صدر عن "القيادة القطرية لحزب البعث" في أيار الماضي وأرسل إلى وزارة الإدارة المحلية، وفي هذا خرق للدستور الذي صدر في العام 2012، إذ لم يعد بامكان "القيادة القطرية" إرسال أوامر للوزارات، بعد إلغاء "المادة 8" من الدستور.
"حزب البعث" خاض الانتخابات المحلية عام 2011. حينها، لم يكن لديه جناح عسكري، لكنه في هذه الانتخابات يدير مليشيا "كتائب البعث"، التي تمولها إيران، وتصرف رواتب عناصرها وتشرف على تدريبهم. وبالتالي فإن مشاركة "حزب البعث" في الانتخابات، تُعدُّ خرقاً لقانون الأحزاب، إذ نصت المادة الخامسة من القانون على منع مشاركة الأحزاب التي لها مليشيات مسلحة في الانتخابات.
إيران تسعى من الاستثمار في "حزب البعث"، الذي سيبتلع انتخابات الإدارة المحلية نتيجة انعدام القوائم المنافسة، إلى اعادة تشكيل واجهة موالية لها، تكون أداتها التنفيذية، وتضمن لها ورقة ضغط ضد حليفها اللدود روسيا الذي يسيطر على مفاصل الحياة السورية. المجالس المنتخبة ستكون الأداة التنفيذية في ملف "إعادة الاعمار"، كما نصت على ذلك المراسيم 10 2018 و66 للعام 2012 و107 للعام 2011.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها