بعد التوجه الروسي لحلّ مليشيات النظام في حماة، وإجبارها على الإلتحاق بـ"الفيلق الخامس/إقتحام"، بدأ قادة المليشيات بنقل مصادر تمويلهم من "التشبيح" والسطو المسلح إلى فرض سيطرتهم على الفعاليات الإقتصادية، والتحول إلى "رجال أعمال".
طلال الدقاق الملقب بـ"أبو صخر"، والذي كان يتزعم مليشيا تقدّر بأكثر من 1500 عنصر من المتطوعين في "المخابرات الجوية" وصاحب العلاقات القوية مع زعيم مليشيا "قوات النمر" العميد سهيل الحسن، تحوّل بعد القرار الروسي من أكبر شبيحة النظام في حماة إلى أكبر تجارها.
وتقدّر ثروة الدقاق التي جمعها خلال سيطرته على حماة بمئات ملايين الليرات السورية، عبر احتكاره المديد لتهريب المحروقات من مدينة حماة إلى إدلب وريفها عن طريق معبر أبو دالي شرقي حماة، وتجارة تهريب المواد الغذائية من وإلى الشمال السوري، وتهريب السيارات من دون ترخيص ومنحها مهمات أمنية من "المخابرات الجوية"، عدا عن تجارة العقاقير الطبية المُخدّرة والمخدرات. دقاق كان من أبرز المعفّشين لمناطق المعارضة.
الناشط الميداني في مدينة حماة عامر الحموي، قال لـ"المدن"، إن ثروة الدقاق جاءت من العدم، من مجرد عامل بناء في منطقة الحاضر في مدينة حماة، إلى عميل سريّ لـ"المخابرات الجوية" في التنسيقيات المعارضة بحماة، قبل إعلان تطوّعه وترؤسه مليشيا لصالح "الجوية". خلال أقل من عام، بات الدقاق يملك عشرات العقارات والسيارات.
ويؤكد عامر أن المصدر الرئيس لثروة الدقاق كانت إعتقال المدنيين وإخلاء سبيلهم لقاء أتاوات وخوات مالية من أهاليهم وصلت أحياناً إلى أكثر من 20 مليون ليرة سورية. "أبو صخر" كان قد خط لذاته أسلوب الإعتقال العشوائي لأبناء تجار مدينة حماة أو إختطافهم، ومن ثم مفاوضة ذويهم على إطلاق سراحهم. الدقاق امتلك عشرات المنازل والأبنية في حماة قدّمها له ذوو المعتقلين بهدف إطلاق سراح أبنائهم.
وبعدها سريعاً، سيطر الدقاق على محطات الوقود في مدينة حماة، بعدما اشتراها بالقوة من أصحابها. ومن بعدها انتقل إلى تجارة السيارات المستعملة والمهربة.
بعد تحجيم "أبو صخر" أمنياً، وحلّ مليشياه، بدأ بتبييض أمواله، والسيطرة المالية على اقتصاد مدينة حماة بالكامل. وفرض على كبار تجار المدينة والمستثمرين شراكته، ليصبح من أكبر تجار المدينة. واشترى مؤخراً أكبر مطاعم مدينة حماة في ساحة العاصي وبدأ بتأهيله، كذلك عمل على إستثمار أراضٍ سياحية في منطقة حي البرناوي الذي بدأ النظام تجهيزه كمنطقة سياحية ومركز لفنادق ضخمة. ودخل الدقاق شريكاً في أكبر المحال التجارية في حي البعث والبياض وحي القصور، كما بات شريكاً في معملين للأحذية. كما أقام معملاً كبيراً لصناعة الأدوية الطبية، مجهّز بأحدث التقنيات والوسائل المتطورة.
الدقاق قام بتوزيع جزء من ثروته على أخوته، لتوسيع سيطرة العائلة مالياً، فبدأوا شراء الأراضي الزراعية والأبنية السكنية، ربما لحماية أمواله من أي عملية مصادرة.
في أحد أبشع تجليات القوة والعنف لزعماء المليشيات الموالية للنظام في سوريا، قدّم طلال الدقاق، فرساً عربية حيّة إلى أسود يملكها في مزرعته، ليأكلوها. المشهد المقزز الذي غصّت به وسائل التواصل الاجتماعي، كان تعبيراً عن توحش "أبو صخر" وساديته، وهو الذي استبق اطعام الخيل للأسود، اعتقال ناشطي حماة وتسليمهم للمخابرات، وجزء كبير منهم بات في عداد المفقودين والقتلى تحت التعذيب.
نموذج الدقاق ليس فريداً في حماة، إذ أن متزعم مجموعات "الأمن العسكري" الشيخ فضل، والشبيح علي الشلّة، باتوا يبحثون عن وسائل تجارية مختلفة لتبييض أموالهم، ولنقل سيطرتهم الأمنية على المدينة إلى هيمنة اقتصادية.
الناشط في مجال التوثيق من حماة نضال الياسين، قال إن أكثر من 65 في المائة من المحال التجارية والعقارات في مدينة حماة وريفها، باتت ملكاً لزعماء مليشيات ومجموعات أمنية. وأضاف الياسين أن الأحوال قد تطورت في الأيام القليلة الماضية في حماة، بعد التوجه الروسي الجديد، إلى أن وصل الأمر بزعماء المليشيات إلى التضييق على التجار وإيهامهم بأن الشراكة معهم فقط قد تحمي تجارتهم من مؤسسات "الدولة" وضرائبها ودوريات التموين.
وأشار الياسين إلى أنّ هذا الأمر أوقف بشكل كبير حركة الأسواق المحلية في حماة، بسبب تسلّط ضباط الأمن ووكلائهم من رؤوساء المليشيات الرديفة المنحلّة، وإرغام معظم المحال التجارية الكبيرة على مشاركتهم في أرباحها، والدخول معهم كشركاء في رأس المال. وفي حال امتنع التجار يمارس زعماء المليشيات وضباط الأمن نفوذهم الأمني على دوائر "الدولة"، وتسليط موظفي الضرائب والمالية والتموين والجمارك، على التجار، حتى يعود التاجر مرغماً على التشارك معهم، للخلاص من "الدولة".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها