ومن أبرز الأفرع التي باتت أذرعها تنتشر في الأسواق السورية والذي تصدّر الواجهة الأمنية أخيراً هو "فرع الخطيب"، الذي سمّي بهذا الاسم نسبة لموقعه الجغرافي الواقع في منطقة الخطيب في شارع بغداد في العاصمة السورية دمشق، وهو الفرع الذي كان معروفاً بالفرع "251" أو الفرع الداخلي، التابع لإدارة المخابرات العامة- جهاز أمن الدولة.
يقول أبو خالد، (اسم مستعار) وهو تاجر سوري في محافظة حماة، أنه تعرض للإعتقال في "فرع الخطيب" قبل نحو الشهرين، بسبب عمله في أجهزة الجوال المهربّة من محافظة الرقة إلى مدينة حماة، حيث دخلت دورية أمنية مؤلفة من عناصر المكتب السرّي التابعين لفرع الخطيب في دمشق برفقة عناصر من فرع أمن الدولة في حماة، ودهموا متجره ومحلات تجارية أخرى، بحثاً عن أجهزة المحمول المهربّة والتي لا تحمل شعار شركة "ايماتيل" المسؤولة بشكل حصري عن إستيراد أجهزة الجوال إلى الاسواق السورية.
اعتقال وتوقيع تعهّد
وبعد إعتقال أكثر من 40 تاجراً لأجهزة الجوال في حماة، نُقِلَ الموقوفون إلى فرع الخطيب في دمشق، وأودعوا زنازين جماعية، قرابة الستين يوماً.
وقال أبو خالد إن عمليات التحقيق مع المعتقلين تمحورت حول أجهزة الجوال التي يتاجرون بها بشكل "غير شرعي" كونها أجهزة مهربة، وعن مصادر تلك الأجهزة، والاستفسار عن المسؤولين عن نقلها من الرقة إلى حماة. وقال المحققون له إن المدعو أبو علي خضر، مالك شركة "إيماتيل" في سوريا، "لم يحصل على التصريح الحصري بتجارة أجهزة الموبايل من الحكومة السورية من أجل عمل التجار خارج نطاقه، أو السماح لغيره بالدخول الى سوق أجهزة المحمول في الداخل السوري".
وقال أبو خالد إن "فرع الخطيب" إعتقل أسماء واضحة تقوم بالفعل بالعمل بالأجهزة المهربّة، في إشارة إلى وجود وشاية أمنية بحقهم، مضيفاً أن التحقيقات كانت تنتهي بالتأكيد أن إطلاق سراحهم "مرهون بالتعهّد بعدم العودة الى العمل خارج شركة ايماتيل وبضاعتها الموجودة في الأسواق وفي مراكزها الرئيسية في المحافظات السورية".
وبعد انقضاء الستين يوماً، تم إستدعاء المعتقلين للتوقيع على تعهدات قانونية بالتعامل الحصري فقط مع شركة "ايماتيل" والتجارة بأجهزتها وبضاعتها فقط، دون اللجوء إلى الأجهزة المهربة أو الشركات الأخرى. كما أكّد المحققون أن "أبو علي خضر" مالك إيماتيل قام بالموافقة على إطلاق سراحهم بعفو منه شريطة التعهّد الموقّع من قبل التجار، في تأكيد صريح بأن الذي أطلق سراحهم هو الخضر وليس رئيس الفرع الأمني أو أي جهة قانونية أخرى، وبأن أمر إخلاء السبيل حسب المحققين في الخطيب كان صادراً عن الخضر بشكل شخصي.
أخشاب وحديد وأدوات كهربائية
في السياق نفسه، قال أبو خالد إن عمليات الإعتقال حينها لم تقتصر على محافظة حماة، بل شملت جميع التجّار من المحافظات السورية، بالإضافة إلى تجّار في الأخشاب والحديد والأدوات الكهربائية، وجميعهم تم التحقيق معهم عن عملهم خارج نطاق أعمال "أبو علي خضر" الذي بات يُعرف عنه بأن بات الواجهة الإقتصادية للنظام السوري، وتوسع نطاق عمله للسيطرة على معظم التجارات في سوريا من إستيراد أجهزة المحمول والأخشاب والحديد والأدوات الكهربائية وغيرها، ولم يطلق سراح أحد من التجّار إلّا بعد التوقيع على تعهّد بالتعامل مع أبو علي خضر فقط.
ونفى أبو خالد تعرضهم للتعذيب بشكل كبير، مشيراً الى ان الإعتقال كان بمثابة تهديد علني للتجّار بأن أبو علي خضر يتابع بشكل مباشر ما يحصل في الأسواق السورية، ومنعهم من التعامل مع غيره تحت تهديد السلطة الأمنية الممنوحة له من قبل النظام السوري.
مصادرة لصالح "إيماتيل"
بدوره، تحدّث تاجر آخر من المعتقلين مع أبو خالد عن أن فرع الخطيب صادر جميع أجهزة المحمول والإكسسوارات التي كانت متواجدة في محلاتهم أثناء إعتقالهم، والتي تقدّر قيمتها بملايين الليرات السورية، ورفض "فرع الخطيب" إعادتها واعتبرها مصادرات مهربّة لصالح شركة "ايماتيل".
كما تم تنبيه أصحاب هذه المحال التجارية بأن دوريات المكتب السرّي الأمني ستتابع بشكل دوري محالهم التجارية وستقوم بمعاقبة المتاجرين بالمهربّات بعقوبات أشد، تنفيذاً للتعهّد الموقّع من قبلهم، بالإضافة إلى تهديدهم بتحويلهم الى محاكم إقتصادية بشكل مباشر.
وأكّد أن دوريات المكتب السري بالفعل لم تفارق الأسواق المحلية في محافظة حماة، حيث باتت تنتشر بشكل أسبوعي وتبدأ بإقتحام المحال والتفتيش فيها عن أجهزة المحمول التي لا تحتوي على شعار "ايماتيل" وكفالتها الخاصة، رغم علمهم بشكل دقيق بعدم عودة تجّار حماة للمتاجرة بالأجهزة المهربّة عقب حملة الإعتقالات التي جرت منذ شهرين، ولكن هذه المداهمات هي في سبيل نشر الذعر والخوف وإستمرار فرض السيطرة الأمنية على الأسواق، كما أنّها باب من أبواب فرض الأتاوات على التجّار بشكل دوري.
وقال إن حكومة النظام اتجهت منذ سنوات للبحث عن موارد لرفد خزينتها المتهالكة من جيوب التجار في المحافظات السورية، ولكن بطرق مختلفة، تتجدد مع كل أزمة مالية يمرّ بها النظام السوري.
ملاحقات أمنية
واشار إلى أنّ العديد من تجّار محافظة حماة امتنعوا عن مزاولة مهنة بيع الأجهزة المحمولة خوفاً من الملاحقات الامنية التي قد يتعرضون لها من جديد، فيما ذهب آخرون إلى إغلاق محالهم التجارية هرباً من سلطة "أبو علي خضر" على أرزاقهم ومشاركته لهم في جميع مفاصل تجارتهم، وقرارهم بالسفر والعمل خارج البلاد، أو اللجوء إلى مهن وتجارات أخرى، قد تكون بعيدة عن النطاق الإقتصادي الواسع الذي يهيمن عليه الخضر وشركاته، ويُمنع التاجر السوري اليوم العمل خارجها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها