وأشار المصدر إلى إن الوفد اجتمع مع قيادات من "وحدات حماية الشعب" الكردية في مدينة رميلان، بحضور ضباط أميركيين، بغرض الاتفاق على انتشار قوات "بيشمركة روج" على الشريط الحدودي الذي يفصل الاراضي التركية عن مناطق "الإدارة الذاتية".
وأضاف المصدر أن "لا اتفاق انجز بين الطرفين"، مؤكداً أن الأميركيين حذروا قيادة "وحدات الحماية" من أن عدم قبول دخول "بيشمركة روج" سيترتب عليه تدخّل عسكري تركي. وأشارت تسريبات أخرى إلى أن "وحدات الحماية" اشترطت للقبول بدخول "بيشمركة روج" ألا يتجاوز دورها الشريط الحدودي.
و"بيشمركة روج" قوة مسلحة من الأكراد السوريين، تأسست على يد منشقين أكراد عن قوات النظام، ولا يتجاوز تعدادها 10 آلاف مقاتل، يقيمون في كردستان العراق، ويتلقون رواتبهم من وزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان ويخضعون لبرامج تدريب عسكرية تدعمها الولايات المتحدة. وتتبع "بيشمركة روج" لـ"المجلس الوطني الكردي" السوري المعارض والمشارك بـ"الإئتلاف الوطني"، وهو إطار يضم أحزاب كردية معارضة لحزب "الإتحاد الديموقراطي" و"إدارته الذاتية". واستفادت حكومة إقليم كردستان من "بيشمركة روج" في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق.
وليست هذه المرة الأولى التي يُناقش فيها دخول البيشمركة إلى سوريا، إذ جرى الحديث عن ذلك إبان التدخل التركي في عفرين.
ولم تصدر تصريحات رسمية من "المجلس الوطني الكردي" أو "بيشمركة روج" بخصوص الاجتماع مع "الوحدات"، فيما نشر الناطق باسم "الوحدات" نوري محمود، في "فيسبوك"، توضيحاً نفى فيه أنباء دخول البيشمركة، مشيراً إلى أن قوة من "بيشمركة روج" رافقت قافلة عسكرية أميركية إلى معبر الوليد، من دون أن تدخل الاراضي السورية"، واعتبر محمود أن "إشاعة هذا الخبر خدمة للتهديدات التركية".
وتُستبعدُ موافقة "الاتحاد الديموقراطي" على دخول قوات البيشمركة، استناداً لمواقفه المسبقة منها. ويرى الحزب في "بيشمركة روج" قوة تقف ضده سياسياً، في صف خصومه في تركيا والمعارضة السورية. كما يتهم الحزب "المجلس الوطني الكردي" بأنه من سلم عفرين لكتائب المعارضة السورية.
ميدانياً، وعلى الشريط الحدودي، تستمر تركيا بالتحضيرات العسكرية بالقرب من تل أبيض ورأس العين، في حين تُعزز الولايات المتحدة من تواجدها العسكري في تلك المناطق عبر دوريات عسكرية شبه يومية ونقاط المراقبة. وبالتزامن مع التهديدات العسكرية التركية، أنشأت الولايات المتحدة قاعدتين عسكريتين جديدتين في ريف تل أبيض.
وكالة "الأناضول" التركية كانت قد أشارت إلى رسالة من مسؤولين أميركيين إلى "الائتلاف السوري" والجيش الحر، تحذرهم من المشاركة في التدخل العسكري التركي شرقي الفرات، وتعتبره "بمثابة هجوم على الولايات المتحدة". وأضافت الوكالة أن الرسالة نصت على: "حين تتصارع الفيلة، عليك أن تبقى بعيداً عن الساحة"، إلا أن "الجيش الوطني" المدعوم تركياً، أعلن الأحد، عزمه المشاركة في التدخل العسكري شرقي الفرات، مؤكداً أنه يسعى مع الجانب التركي إلى "إعادة الوحدة الوطنية لمكونات الشعب السوري".
تحرك "الاتحاد الديموقراطي" إزاء التهديدات التركية على المستوى العسكري يتوافق مع خطابه "الثوري" القائم على "المواجهة بما توفر من إمكانيات" وتنظيم الاعتصامات الشعبية المنددة بالتدخل. وعلى المستوى السياسي، حاول الحزب إرسال رسائل مفادها إنه يمتلك الشرعية الجماهيرية، فعمل على الحصول على أكبر حشد ممكن للوقوف ضد التدخل التركي، فأسس السبت، مع 21 حزباً وتنظيماً سياسياً ملتقى تشاورياً لـ"تنسيق المواقف"، وأصدروا بيانا أكدوا فيه أن "التهديدات التركية تهدف إلى إزالة النموذج الديموقراطي الذي يضم جميع المكونات السورية"، ودعوا إلى "الالتزام بروح المقاومة"، معتبرين إن "القصف التركي لمواقع العمال الكردستاني في العراق امتداد لما يجري في مناطق الادارة الذاتية".
الفكر السياسي لـ"العمال الكردستاني"، ومن بعده "الاتحاد الديموقراطي"، لا يبدو أنه يخشى التهديدات التركية، إذ إنه يعتبر عموم المناطق الكردية في سوريا والعراق وتركيا وايران ساحة نضال ومواجهة مع الدولة التركية، كأمر واقع، و"لن تتغيّر المواقف بتغيير ساحة المعركة". وعليه يبدي مسؤولو "الاتحاد الديموقراطي" استعدادهم لمواجهة التدخل التركي، في حين يعتبر مسؤولو "العمال الكردستاني" أن التهديدات التركية استهداف مباشر لهم. وأكد عضو المكتب الاعلامي لـ"العمال الكردستاني" كاوا شيخموس، في تصريح لوكالة "سبوتينك" الروسية، أنهم سيردون على التدخل التركي شرقي الفرات بتصعيد العمليات داخل الأراضي التركية. وتتهم المعارضة في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" خلايا "وحدات الحماية" بتنفيذ موجة جديدة من التفجيرات، راح ضحيتها العشرات خلال الأيام الماضية، وكان آخرها، الأحد، تفجير سيارة مفخخة في سوق شعبي في مدينة عفرين.
ومع أن مواقف المسؤولين الأميركيين مرنة إزاء التهديدات التركية، وسط تأكيدهم المستمر على تفهمهم لمخاوف تركيا بخصوص أمنها القومي، إلا أن مواجهة تركية مع "وحدات الحماية" شرقي الفرات لا تبدو واقعية في ظل الوجود الأميركي العسكري المباشر. وقد يكون التصعيد سبباً لتحقيق مطالب أميركية لـ"الاتحاد الديموقراطي" بإعادة ترتيب الواقع السياسي شرقي الفرات في مرحلة ما بعد "داعش"، وفق الحاجة الأميركية، بغرض إشراك لاعبين سياسيين آخرين لا يدورون في فلك "الاتحاد الديموقراطي" ضمن "الادارة الذاتية" التي تأسست في عين عيسى.
دخول قوات "بيشمركة روج"، لو حدث، ستكون خطوة ظاهرها ابعاد "وحدات الحماية" عن الشريط الحدودي مع تركيا، وبالتالي تحييد احتمال دعمها لمقاتلي "العمال الكردستاني" ضمن الأراضي التركية، وبالتالي نزع مبرر التدخل العسكري التركي. وفي الجوهر، ستصب هذه الخطوة ضمن مشروع أميركي لإعادة ترتيب الواقع السياسي شرقي الفرات.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها