تحاول أطراف محلية، إقليمية ودولية، القيام بدور في ترجمة "المنطقة الآمنة" على الأرض شمال شرقي سوريا، بين سوريا وتركيا. وتحاول كل الأطراف فرض وقائع على الأرض، ما سيجعل من تفاصيل المنطقة الآمنة معرضة للتعديل والاختلاف، حتى بعد تنفيذها.
قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب السريع من سوريا، ثم فرملته إلى انسحاب بطيئ على مراحل، وسط العجلة التركية، والترقب الروسي، جعل من مواقف أطراف محلية وإقليمية أخرى أقل ظهوراً، رغم أنها ليست أقل فاعلية. وفيما يزور، الأربعاء، الرئيس التركي موسكو، لمناقشة "المنطقة الأمنة" ضمن جملة مواضيع سورية أخرى، فقد سبقه وفد من "الاتحاد الديموقراطي" إلى موسكو للغاية ذاتها.
مجلسُ مقاطعة الحسكة التابع لـ"الإدارة الذاتية"، افتتح الثلاثاء، مركزاً له في حي تل حجر الكردي، في مدينة الحسكة، والقرار بجعل الحسكة مقاطعة ضمن "الإدارة الذاتية"، كان قد صدر قبل أكثر من عام، ضمن المخطط الإداري لـ"فيدرالية شمال شرق سوريا"، إلا إن تنفيذه الآن يوحي بتطورات متعلقة بموضوع "المنطقة الآمنة".
وتعمل "الادارة الذاتية" على التحضير لسيناريوهات "المنطقة الآمنة"، إذ خففت المظاهر العسكرية في ديرك والجوادية وتربسبيه الحدودية، وسحبت قوات "الدفاع الذاتي" من مركزها التدريبية في تلك المدن إلى مركزها في مدينة الحسكة. وتقع الحسكة خارج منطقة الـ30 كيلومتراً المصممة لانشاء المنطقة الآمنة.
من جهة ثانية، يزور وفد برلماني فرنسي، منذ الاثنين، مناطق "الادارة الذاتية"، ويضم ماتيلدا بانوت ودانييل ابونو وباسكال ترادور، واستقبله في مدينة القامشلي الناطقة باسم مكتب "مؤتمر ستار"؛ وهو تنظيم نسائي منضوٍ في الادارة الذاتية ومعنيٌ بحقوق بالمرأة.
وقال دانييل أبونو، الثلاثاء، إنهم اطلعوا على "النموذج الديموقراطي للادارة الذاتية"، وإنهم سيناقشون مع الحكومة الفرنسية "ضرورة فرض حظر جوي على شمال وشرق سوريا".
مصادر خاصة، قالت لـ"المدن"، إن زيارة الوفد الفرنسي تأتي في إطار ترتيبات المنطقة الآمنة، إذ ستشرف فرنسا، ضمن تحالف مع دول أخرى، عليها. وبحسب المصدر، فإن فرنسا والامارات، ستلعبان الدور الأكبر في الاشراف على المنطقة الحدودية الممتدة بين الدرباسية وكوباني، فيما ستشرف قوات "بيشمركة روج" و"قوات النخبة" على المنطقة الممتدة بين المالكية "ديريك" إلى عامودا، فيما ستكون مناطق نفوذ "قسد" هي الحسكة وديرالزور والرقة والقامشلي، وستنسحب من منبج لتدار من قبل تركيا وروسيا، ضمن اتفاقية تشمل أيضا الابقاء على القواعد الأميركية في منبج.
سكرتير "حزب يكيتي الكردستاني" سليمان أوسو، قال بوجود توافق إقليمي ودولي على تشكيل منطقة آمنة إرضاءً لتركيا، والتي كانت سباقة بطرح هذا المشروع. وأوضح: وفق المعطيات المتوفرة لدينا ستكون قوات "بيشمركة روج" جزءاً من القوة العسكرية المقترحة لحماية المنطقة، مؤكداً أن "الحراك الديبلوماسي النشط الذي يبذله ممثلو المجلس الكردي مع الدول المؤثرة بالملف السوري ينذر بمؤشرات إيجابية بهذا المنحى".
وحزب "يكيتي" هو أحد الأحزاب الرئيسية في "المجلس الوطني الكردي" السوري المعارض المنضوي في "الإئتلاف" السوري، وهو الممثل السياسي لقوات "بيشمركة روج" المؤلفة من الأكراد السوريين المنشقين عن قوات النظام والتي تتخذ من كردستان العراق مقراً لها.
إلا أن وجود دور لـ"بيشمركة روج" مرتبط بمحاولة إقليم كردستان لعب دور رئيسي في المنطقة الآمنة، ويبدو أن تركيا ترفض ذلك، إذ قال الرئيس التركي إنه لن يسمح بحصول مستنقع في سوريا شبيه بالمستنقع الذي حصل شمالي العراق.
الهدف الرئيسي للتحرك الكثيف لمسؤولي إقليم كردستان في هذا الاتجاه، هو قطع الطريق أمام ما يبدو محاولة تركية للوصول من خلال المثلث الحدودي السوري العراقي التركي، إلى الأراضي العراقية مباشرة، متجاوزة اقليم كردستان. ويستفيد الاقليم من التجارة العراقية-التركية عبر معبر ابراهيم خليل الحدودي. ويحاول الإقليم الاستفادة من تحالفه مع عشيرة الشمر في العراق، تفادياً لمستجدات سياسية قد تحاصره اقتصادياً.
المنطقة الامنة حسب الرؤية التركية هي منطقة تشارك فيها جميع المكونات، ضمن اشرافها المباشر، ما يُحقق لها أهدافاً بعيدة المدى، كتفادي ظهور كيانات كردية تعتبرها تهديداً لأمنها القومي. ويتضارب ذلك مع مصالح الولايات المتحدة، التي يُستبعد أن تسمح بتطورات أمنية في المناطق النفطية التي ستشرف عليها "بيشمركة روج" و"قوات النخبة". وهي المناطق التي لم تُنشئ فيها الولايات المتحدة أبراج مراقبة، ما يشير إلى أنها لم تكن بالأساس معرضة للتهديد.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها