تواصل دوريات عسكرية أميركية، منذ أيام، مراقبة الحدود السورية-التركية، مقابل النقاط التي تشهد حشوداً عسكرية تركية تمهيداً للتدخل والقضاء على وجود "وحدات حماية الشعب" الكردية شرقي الفرات، وفق التصريحات التركية الرسمية.
5 سيارات "هامر" مدرعة، وسط أنباء تقول إن الدوريات ستدوم لشهر واحد، مقابل حشود عسكرية تركية ضخمة، تشير إلى موقف أميركي مرن نسبياً، يشابه ما سبق التدخل العسكري التركي في عفرين.
المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية بيل اوربان، قال عقب تعليق "قسد" عملياتها العسكرية ضد تنظيم "داعش" احتجاجاً على التصعيد التركي: "نتوقع أن يكون هذا تعليقا مؤقتاً". وأضاف: "قسد شريك أساسي في التحالف لهزيمة داعش في سوريا. نحن ملتزمون بالقدر نفسه بأمن تركيا. ونحث جميع الأطراف على التحلي بضبط النفس لتهدئة الوضع الحالي وضمان أقصى حد من الضغط على داعش".
الحشود التركية على الحدود مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين، لها أهداف متعددة، أوضحها الضغط على "الاتحاد الديموقراطي" للانسحاب من مدينة منبج، وأهمها السعي التركي لثني الولايات المتحدة عن الاعتماد على"الوحدات" لتحقيق مصالحها شرقي الفرات.
وما تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه شرقي الفرات هو إدارة لا تعتمد توجهات سياسية، وتفعيل دور المجالس المدنية، وتطوير القواعد العسكرية، و"حرس الحدود". وتدرك الولايات المتحدة أن تركيا غير قادرة على تحقيق هذا الدور، بسبب ضعف قوى المعارضة السورية المقربة من تركيا شرقي الفرات. كما أن "الاتحاد الديموقراطي" لم يتمكن من تغيير نفسه، ليوائم الرغبة الاميركية بالاعتماد على إدارة مدنية غير مؤتمرة بأوامر "حركة المجتمع الديموقراطي" المرتبطة عضوياً بـ"حزب العمال الكردستاني". إذ فشل "الاتحاد الديموقراطي" في نقل صلاحيات "المجتمع الديموقراطي" إلى المجالس المحلية. وهذا ما يجعل الولايات المتحدة تفكر في إشراك لاعبين آخرين شرقي الفرات، وإن كان بدور محدود.
التأرجح الأميركي بين تركيا و"الاتحاد الديموقراطي" قد يكون استخداماً لهما، للذهاب في تحقيق المصلحة الأميركية إلى أبعد ما يمكن. معادلة طرفها الأول تخويف تركيا من كيان كردي، وطرفها الثاني العصى التركية لضرب "الاتحاد الديموقراطي" حين يتوانى عن تنفيذ الأجندة الأميركية. المعادلة نفسها أوقفت المعارك مع "داعش"، وربما تعيده أقوى بصورة ما، مع وجود أنباء عن تقدمه على حساب "قسد" في ديرالزور. ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه الضغوط الشعبية على "قسد" بعد مقتل الشيخ بشير فيصل الهويدي، والبيان الذي أصدرته 44 عشيرة عربية اجتمع ممثلوها في مدينة اعزاز، ودعوا إلى مقاطعة "قسد" مادياً واجتماعياً وعسكرياً.
النظام السوري قد يكون متضرراً من تدخل تركي محتمل شرقي الفرات. إذ تطلع النظام، الصيف الماضي، لإنجاز مفاوضات مع "الاتحاد الديموقراطي" لإعادة مراكزه الأمنية إلى تل ابيض وكوباني والرقة والطبقة ومنبج. وعلى ذلك، توجه "الاتحاد الديموقراطي" إلى دمشق، وأصدر بياناً مع 17 حزباً سياسياً، من "أحزاب الإدارة الذاتية"، طالبوا فيه دمشق بوقف العدوان التركي. وجاء رد النظام كورقة قد يستخدمها "الاتحاد الديموقراطي" في حال لم توقف أميركا التدخل العسكري التركي. نائب وزير خارجية النظام فيصل المقداد، قال: الجيش العربي السوري هو الذي يقف ضد الاحتلال التركي للأراضي السورية"، وأضاف: "نعتقد أن على هؤلاء أن يعودوا إلى روح المواطنة، وإلى الإيمان بوطنهم، وليس إلى الاستعانة بالأميركيين والإسرائيليين وغيرهم ضد مصالح الوطن، عليهم هم أن يعودوا إلى الوطن أولاً لكي يقف معهم الوطن ثانياً".
تقرب "الاتحاد الديموقراطي" من دمشق لا يبدو واقعياً، لما قد يجرُّ عليه من اتفاقات تركية أميركية، كما أنه يتناقض مع تحالفه مع الولايات المتحدة. ويمكن فهم هذه الرسائل بين النظام و"الاتحاد الديموقراطي"، بأنها دعوات مبطنة لاستئناف المفاوضات الممكنة في الظروف الحالية، إن لم تعارض واشنطن ذلك.
قد تتدخل تركيا في بعض المناطق شرقي الفرات، كشريك منافس لـ"الاتحاد الديموقراطي" في إدارة المصالح الأميركية. إذ إن الولايات المتحدة تدرك أن اعتمادها على "الاتحاد الديموقراطي" في إدارة المنطقة يواجه إشكاليات على مستويات مختلفة، أقلّها عدم قدرة "الاتحاد" على كسب قبول عربي، وبالتالي عدم تقبل العرب للوجود الأميركي أيضاً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها