مضى قرابة أسبوعين، على إعلان القوّات الحكوميّة العراقية، استعادة الجانب الشرقي "الأيسر" لمدينة الموصل، لتبدأ تلك القوّات، منذ الجمعة، عمليّات تمهيديّة لاقتحام الجانب الغربي. ومع ذلك، فقد عاودت أخبار المعارك في الجانب الشرقي "المُحرّر" لتتصدّر المشهد الإخباري من جديد، صباح الجمعة، متركزةً في أكثر من عشرة أحيّاء وسط وغرب المناطق "المحررة"، أهمّها أحياء فلسطين والضبّاط والماليّة ومحيط التلّة الأثرية، ومنطقة الغابات.
وحول تلك المعارك، تحدّثت مصادر عسكريّة عراقية مطّلعة في قوّات "حرس نينوى"، لـ"المدن"، عن عمليّات تطهير دقيقة، تقوم بها القوّات العراقية، بإسناد من قبل مروحيات أميركيّة من طراز "أباتشي"، للقضاء على بعض الجيّوب المحصّنة، في المناطق المحاذيّة لنهر دجلة، والتي يعتمدها مقاتلو "داعش" كمفارز "تعويق" للقوّات العراقيّة، تحول دون تأسيس تلك القوّات لنقاط عبور مائيّة باتجاه الجانب الأيمن.
وتبني القوّات الحكوميّة العراقية، خطّتها العسكريّة لاقتحام الجانب "الغربي" الأيمن، من خلال عبور نهر دجلة، الذي يشكّل حدّاً طبيعياً صعباً، يفصل بين شطري المدينة، خصوصاً بعد تدمير الجسور الخمسة الواصلة بينهما تدميراً كاملاً. وذلك عبر نصب جسور مائيّة عائمة، تُسهّل للقوات المهاجمة عملية العبور. وكانت القوّات العراقية قد استقدمت مزيداً من القوّات العسكريّة من بغداد، ومناطق الجنوب العراقي، لتعزيز مواقعها بمحاذاة نهر دجلة تمهيداً لعمليّة الاقتحام المرتقبة.
الخطّة الحكوميّة التي تسرّبت بعض تفاصيلها، عن مصادر عسكريّة رفيعة، تقضي بتأمين الشريط المحاذي لجانبيّ نهر دجلة، بمسافة 2-3 كيلومترات عن كل جانب، بغية خلق منطقة آمنة للقوات التي ستعبر النهر بإتجاه الجانب الغربي. وذلك غير متاح، سوى بعمليّات قصف جويّ مكثف، يتبعها عمليّات إنزال جويّة. وأفادت مصادر عسكريّة في شمال نينوى لـ"المدن"، أن تلك المهمة ستوكل لقوّات "كوماندوز" أميركيّة محمولة جوّاً، بدأت تعد نفسها في قاعدة مخمور جنوب شرقي الموصل، لتأمين الجانب الغربي من النهر، إلى حين عبور القوات العراقية. كما سيتولّى فريق هندسيّ أميركي، عمليّة بناء الجسور العائمة، بعدما تمّ نقل قطعها ومعدّات بنائها جوّاً، إلى نقاط داخل المدينة.
الخطّة التي ساهم خبراء أميركيّون في إعدادها، بحسب مراقبين، ستواجه صعوبات متعددة، قد تستدعي توجهها نحو بدائل، قد تطيل من عمر المعركة، وتلفّها لاحقاً بالكثير من التعقيدات السيّاسية. فالإعتماد الكبير على القصف الجوّي وفق الخطّة، لمناطق مكتظة بالسكّان، وهو ما كان من محاذير المرحلة السابقة من المعركة، قد يتسبب بعمليّات نزوح لا تمتلك القوّات الحكوميّة العراقيّة، أيّة قدرة أو خطّة لإستيعابها. فالجانب الأيمن من الموصل يضمّ الكتلة الأكبر من سكّانها، وتشير بعض التقديرات إلى وجود أكثر من 800 ألف مدني، تكتظ بهم أحياء الجانب الأيمن، وتتركز نسبة كبيرة منهم في الأحياء المحاذية لنهر دجلة.
يضاف إلى ذلك، إمكانيات الإستهداف الصاروخي، التي يمتلكها عناصر تنظيم "داعش"، إذ تشير المعطيات على الأرض، الى تجنّب عناصر التنظيم، الإشتباك المباشر، لاسيما في الأسبوعين الاخيرين من عمر المعركة قبل الإعلان عن "تحرير" الجانب الأيسر، واعتماده على الاستهداف الصاروخي، وبقذائف الهاون، والصواريخ الموجهّة، والتي تكشّف مؤخراً، عن استحواذه لنوعيّات متطورة منها. الأمر الذي قد يعزز من إمكانيّة تعامل التنظيم الفعّال، مع الجسور المائيّة والقوات العابرة من خلالها، عبر إستهدافها والحاق خسائر في صفوفها، قد تعيق سير الخطّة.
أمّا الخطّة البديلة الممكنة، فقد تعتمد التوغل البرّي عبر محور الغوير جنوبي الموصل، غربي نهر دجلة، الأمر الذي يتطلّب نقل القوات من الجانب الأيسر للمدينة، إلى منطقة الغوير، والصعود بها شمالاً لاختراق المدينة من الجنوب الشرقي، وخوض المعركة من محور واحد. وهو ما سيزيد المعركة صعوبة، بالنسبة للقوات المهاجمة، نظراً لما تحتويه بنية الجانب الأيمن للمدينة، من عوامل عمرانيّة، تضمّ شوارع وأزقّة ضيقة للمدينة القديمة، يصعب اختراقها عبر الآليّات العسكرية المدرعة. ما من شأنه تعزيز الموقف الدفاعي لعناصر تنظيم "داعش" في حرب المدن.
ويجمع كثيرون من المراقبين، والخبراء العسكريين على صعوبة الموقف العسكري للقوّات الحكوميّة العراقيّة، في المرحلة التاليّة من معركة استعادة مدينة الموصل، تفوق بنسبة بالغة، صعوبات مرحلة إستعادة الجانب الشرقي من المدينة، والذي إستغرق أكثر من ثلاثة شهور، ولم ينتج عنه "تحرير" كامل، كما كشفت عن ذلك معارك الجمعة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها