بعد 15 يوماً على بدء معارك استعادة الموصل، تمكنت "القوات المشتركة" من تحقيق اختراق للحدود الادارية للمدينة من الجهة الشرقية، عقب ساعات على إعلان انطلاق معركة استعادة المدينة من قبضة مسلحي تنظيم "الدولة الاسلامية".
التقدم الذي جرى من ثلاثة محاور، بدأ بالسيطرة على منطقة كوكجلي المفتوحة، ومنها تم العبور إلى حي السماح، ليكون أول حيّ مكتظ بالسكان تدخله القوات المهاجمة. وذلك بالتزامن مع سيطرة قوات "مكافحة الارهاب" على منطقة "مقبرة التلفزيون"، لتوقف زحفها على تخوم حيّ الكرامة المجاور، ريثما تتقدم القوات في المحاور الشمالية والشمالية الشرقية، بحسب قائد قوات "مكافحة الارهاب" عبد الوهاب الساعدي.
التوغل الذي بدا سلساً إلى حد كبير ضمن الأحياء الطرفية الشرقية للمدينة، جاء على عكس التوقعات، التي رجحّت مع بداية انطلاق العمليات، مقاومة شرسة قد يبديها التنظيم، على الحدود الواسعة والمفتوحة للمدينة واحيائها الطرفية. وذلك مع اعتبار أن التنظيم قد حصّن المنطقة بالخنادق وانفاق التفخيخ ومفارز القنّاصة. وفجأة تركها منسحباً نحو الداخل، في ما بدا وكأنه استدراج للقوات المهاجمة باتجاه الداخل المكتظ بالسكان والأبنية. ومن شأن ذلك تقويض أسس الخطّة الحكومية، التي توضحت معالمها مع بدء الهجوم، وكشفت عن خطوطها تصريحات قادة عسكريين عراقيين. فالخطة تعتمد بشكل أساسي على تشتيت قوة التنظيم البشريّة المقدرة بـ7 آلاف مقاتل، في خمسة محاور هجومية، وتدميرها، ومن ثم معالجة جيوب المقاومة داخل المدينة من قبل قوات "مكافحة الارهاب" و"الشرطة الاتحادية".
التكتيك البديل لـ"داعش" في مواجهة القوات الحكومية، يعتمد على الاحتماء بأحياء الوسط المكتظّ بالسكّان، والاستثمار الدفاعي في الأطواق المدنية، واستدراج القوات المهاجمة الى حرب شوارع طاحنة. وعزّز ذلك القلق العام، من معركة مدمرة، تنتظر الشوارع والازقّة الداخلية لمدينة الموصل، على غرار ما حصل في معركة مدينة بيجي في العام 2015. حينها اتبع التنظيم التكتيك ذاته، ما أدى إلى تدمير شامل للمدينة، فضلاً عن الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات التي تكبدتها قوات جيش الحكومة العراقية و"مكافحة الارهاب".
اكتظاظ الموصل البشري بأكثر من مليون ونصف المليون، والمساحة الشاسعة لها مقارنة مع مدينة بيجي التي كانت شبه خالية من السكّان، قد يجعل من الموصل ساحة لمجزرة دموية كبرى قد تطاول المدنيين، فضلاً عن فاتورة قد تكون مفتوحة لتكاليف وخسائر القوات المُهاجمة جراء خوض المعركة، خصوصاً مع تحييد سلاح الجو والمدفعية في حالة الاشتباك المباشر.
ورجحّت مصادر مقربة من "الفرقة 16" التابعة لقوات "حرس نينوى"، لـ"المدن"، إمكانية تأخير عمليات التوغل والاقتحام، إلى حين نضوج خطط بديلة لمواجهة التكتيك الجديد لـ"داعش". وارجعت المصادر ذلك، إلى عدم جهوزية القوات "المُحرّرة" لخوض حرب شوارع واسعة، باستثناء جهاز "مكافحة الارهاب" و"فوج الدروع" التابع لـ"الفرقة التاسعة". وهي قوات غير كافية، بحسب المصادر، لتغطية مساحات قتالية في أحياء المدينة المترامية الأطراف التي يحصنها عناصر التنظيم بالمفخخات والحواجز الاسمنتية. فضلاً عن اقتصار التقدم على الجهة الشرقية، التي تعرف بالساحل الأيسر، عبر محاور يمكن تطويقها من خلال ثغرات وعرة تحتوي كتل سكنية، يسهل على عناصر التنظيم التسلل عبرها، في حين يتأخر تقدم قوات الجيش عبر المحور الجنوبي للساحل الأيسر لمساندة القوات على الجبهة الشرقية، مع تعطل المحور الشمالي من جهة تل كيف وسد الموصل. وعزت المصادر تعطل هذا المحور لأسباب سياسية، نظراً لوجود قوات "حرس نينوى" المدعومة من قبل تركيا.
ولا يبدو حتى الآن، أن لدى القيادة العراقية أي خطوط عريضة لخطة بديلة، وهو ما تكشّف في المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، الثلاثاء، فبدا مرتبكاً في حديثه عن سبل مواجهة تكتيك "داعش" القائم على التمترس وسط المدنيين، ولم يفصح عن خطط بديلة، سوى التقليل من أهمية الأمر، وسط ما يمكن أن يجره من مخاطر كارثية على أرواح السكان.
وقال العبادي إن "داعش يخطف المدنيين لاستخدامهم كدروع بشرية، لكن بصراحة ليس بأعداد كبيرة"، وتابع: "وردتنا معلومات استخبارية أن داعش يحاول الاحتماء بالسكان لتفادي ضربه، لكن السكان لا يلبثون أن يبتعدوا عنه ويعودوا إلى الوراء". وختم العبادي بتأكيده على "عدم خطورة استخدام داعش للسكان كدروع بشرية حتى الآن".
وأثار كلام العبادي الكثير من الاستغراب، وخصوصاً حديثه عن تحرك السكّان المدنيين إلى الوراء للابتعاد عن نقاط المسلحين. وهو أمر غير منطقي الحدوث في مدينة مكتظة يتمترس المسلحون في كافة أحيائها وشوارعها. كلام العبادي لم يخلُ من إشارات تفيد بقابلية وقوعه في فخ الانجرار لمواجهة تكتيك مسلحي تنظيم "الدولة"، وخوض المعركة غير مكترث بمصير المدنيين، ومن دون حساب لحجم الخسائر التي قد تقع في صفوف قواته.
وتفيد المعطيات الواردة من داخل مدينة الموصل، عن استعداد مقاتلي "داعش" لخوض حرب طاحنة باتت بمثابة السبيل الوحيد أمامهم بعد إحكام الطوق عليهم من كافة الاتجاهات. الأمر الذي اكتمل مع دخول مليشيات "الحشد الشعبي" إلى المناطق غربي نينوى. وهو ما يشكّل طوقاً على مئات آلاف المدنيين الذين تقطعت بهم سبل الفرار.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها