مأساة حلب الأخيرة، أتاحت لمنظمات المجتمع المدني العاملة في الشأن الإنساني، إطلاق برامج مخصصة لـ"الاستجابة الطارئة" التي يتم بموجبها توجيه نداءات لإغاثة النازحين المنكوبين. وبعض المنظمات نفّذت بثاً مباشراً في القنوات التلفزيونية وتلقت مقابلها تبرعات نقدية مباشرة، كمنظمة "اغاثة سورية" و"الاغاثة الاسلامية" التي بثت عبر تلفزيون "TV ONE" المحلية البريطانية. كما أن منظمات أخرى قامت بحملات إعلامية نشرت بموجبها صوراً لأطفال حلب، في الشوارع الكبرى والأماكن التجارية، في مناطق متفرقة في العالم، أرفقتها بأرقام الحسابات البنكية لأجل التبرع، وارسال رسائل نصية عبر الهواتف النقالة للغاية ذاتها.
منظمة "الإغاثة السورية" حددت عبر شاشة "TV ONE" اين سيتم صرف هذه التبرعات سلفاً، وقسمتها إلى حليب أطفال وتقديم مساعدات إغاثية وصحية، وتبلغ قيمة السلة الواحدة المقدمة من قبلها 600 يورو، ولا زالت حملتها مستمرة عبر موقعها الخاص في شبكة الانترنت. "الهلال الأحمر القطري" حصل على تبرعات لسكان حلب بأكثر من 290 مليون ريال قطري. منظمة "الإي ها ها" التركية و"الهلال الأحمر التركي" تبنتا مشروعاً لإقامة مخيمات لتتسع لأكثر من 20 ألف نازح حلبي في أراض سورية بالقرب من باب الهوى الحدودية مع تركيا، في قرية معرة اخوان. المشروع ما زال قيد التنفيذ. وأرسلت "الإي ها ها" أكثر من 150 شاحنة كمساعدات عينية من خيام ومستلزمات صحية إلى أولئك النازحين. بينما منظمة "mercy crops" قدمت مساعدات مالية وضعتها ضمن ظروف يحوي الواحد منها 70 دولاراً. منظمة "save the children" اطلقت برامج للدعم النفسي تخص الأطفال النازحين في ظروف البرد والثلج.
جميع المنظمات الإنسانية، من دون استثناء، لم تقم بأي عملية إحصاء للنازحين، ولا حتى تقييماً أولياً لمتطلبات تنفيذ أي مشروع. وشابت عمليات توزيع المساعدات لنازحي ريف حلب، حالة من الفوضى والارتباك والارتجال، من دون أي تخطيط عملي، كما رصد الناشطون حالات فساد تتعلق بمحاباة نازحي مناطق محددة. كما لم تنفذ عمليات "تقييم نهائي" لتحديد أعداد المستفيدين من المساعدات، ما يضيف كثيراً من الشكوك حول عمليات "الاستجابة الطارئة".
من جانب آخر، سكن ألف نازح فقط موزعين على 244 عائلة من نازحي حلب، في غرف متواضعة أعدتها منظمتي "شام الإنسانية" و"عيد الخيرية" في سرمدا في ريف إدلب، بينما قبع الباقون في خيام ولم يحصلوا من برامج "الاستجابة الطارئة" إلا على مواد النظافة الصحية وبضع غالونات ديزل للتدفئة، نفدت خلال اليومين الماضيين. ورغم ما تقدمه تلك المنظمات، فقد اعتبرت نسبة كبيرة من النازحين السوريين نفسها سلعة للتصوير والتسويق على يد المنظمات الإنسانية. ويعتقد هؤلاء أن معظم المنظمات لديها ما يكفي من التبرعات لإنشاء مدينة كاملة، لا بضع مساكن صغيرة. ورفضت جميع المنظمات مقارنة عملها مع ما نفذته منظمة "الهلال الأحمر السورية" لنازحي الطرف الأخر من صفقة "إخلاء حلب"، مؤكدة أنها توزع على النازحين ما يصلها من تبرعات من دون الإشارة الى علب الحلوى التي تندرج ضمن "الاستجابة الطارئة" ولا حتى رواتب الموظفين الذين يقدمون الحلوى في هذه البرامج، وأقلها 1300 دولار أميركي.
هذه المنظمات تجتمع في ما بينها، الخميس والجمعة من كل اسبوع، لتبادل الآراء ووجهات النظر، في غازي عنتاب التركية، ضمن مركز "الاوغور بلازا"، وترعى "شبكة سوريا للإغاثة" والمنظمات غير الحكومية (NGO) هذه الاجتماعات، ويتم فيها التأكيد على أهمية العمل الجماعي وبرامج "الاستجابة الطارئة"، حتى أن نتائج هذه الاجتماعات افضت إلى تشكيل ما يسمى "غرفة عمليات" لجميع المنظمات، بهدف التنسيق في ما بينها لمعالجة أزمة نازحي حلب الأخيرة. ويشير المشككون في جدوى تلك الاجتماعات إلى أن تطبيق النتائج لم يتعدَ أبواب القاعة التي اجتمعت المنظمات تحت سقفها. فالهم الأكبر للمنظمات هو الحصول على شريك داعم، ويغمز البعض مشيراً إلى أن دعم مجموعة أطفال ضمن روضة صغيرة، يحتاج إلى مشروع، يحصل فيه موظفو المنظمة المعنية، على نسبة مالية تزيد من استقرار رواتبهم، لمدة زمنية أطول.
ضمن صفقة "إفراغ" حلب الشرقية، خرج ما يقارب 1500 شخص من قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين المواليتين للنظام، إلى مناطق سيطرته، واستقبلت جميع هذه العائلات ضمن بيوت مسبقة الصنع تحوي على تدفئة وطاقة شمسية ومياه وكهرباء مستمرة أنشأها "الهلال الأحمر العربي السوري-فرع حمص" في مدينة حسيا. كما أصدر مدير فرع حمص معتز الاتاسي، أمراً بإنشاء مراكز إيواء خاصة لبقية نازحي الفوعة وكفريا.
في بداية الحملة، تهافتت عشرات المنظمات، بكاميراتها التي تجاوزت أكثر من مئة، وكأن فيلماً سيعرض للمرة الأولى، ولكن في القافلة الأخيرة التي خرجت من حلب الشرقية المحاصرة لم يجد الجرحى والنساء والأطفال، سيارة واحدة تنقلهم إلى المشافي، أو إلى أي مكان قريب يقيهم جحيم الطقس البارد. وبقيت تلك العائلات ساعات تحت الثلج.
موظفة سورية في إحدى المنظمات، أكدت أن ما جرى هو اشبه ببازار تصوير للمنظمات، قدّمت فيه خياماً صيفية لا يسمح فيها بتركيب مدفأة، ووزعت فيه أغطية من أسوأ الأنواع، بعدما وضعت كل منظمة شعارها على ما قدمته. الموظفة أشارت إلى أن بعض منظمات المجتمع المدني، تنتظر هذا النوع من الأزمات، كي تعيش على ما تحصل عليه من هذه البرامج، وأضافت أن انتهاء الحملة والأيام القادمة كفيلة بقصص مأساة أخرى ستخرج الى العلن من مخيمات نازحي حلب الجدد.
ويشبّه كثيرون من السوريين ما حصل في حلب بمأساة الشعب الفلسطيني عندما هجّر إلى بلدان الجوار، في نكبة العام 1948، واقتصر دور الأمم المتحدة حينها على تقديم الخيام واحصاء اللاجئين. الفارق الوحيد في الوقت الراهن هو تناوب المنظمات "الانسانية" على تقديم الخيام من دون أن يتم احصاء النازحين. فـ"الاستجابة الطارئة" الحقيقية كانت فقط من سكان القرى والبلدات في ريفي حلب وادلب الذين فتحوا منازلهم لمن لم يجد مأوى له، أو لمن لم يستطع تحمل العيش تحت الخيمة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها