صوّت مجلس النواب العراقي، في جلسة الأربعاء، لصالح إقالة وزير المالية العراقي هوشيار زيباري، بغالبية 158 نائباً من أصل 249 حضروا جلسة التصويت، ورفض 77 منهم الإقالة، فيما امتنع 14 نائباً عن التصويت. وشكّل ادراج بند التصويت على سحب الثقة من الوزير زيباري، مفاجأة لبعض النوّاب والكتل السياسية، خاصة كتلة "الحزب الديموقراطي الكردستاني" الذي ينتمي إليه زيباري، التي وصفت على لسان النائبة عنها أشواق الجاف، الإجراء بـ"غير القانوني" في حين كان من المنتظر استكمال الاستجواب، بعد تقديم 102 من النواب طلباً بالتصويت على عدم الاقتناع بالأجوبة التي قدمها الوزير في جلسة 26 آب/أغسطس، بشأن تهم وجهّت إليه تتعلق بقضايا فساد مالي وإداري.
وتوالت ردود الافعال المنتقدة لقرار الإقالة، فاعتبره رئيس ائتلاف "متحدون للاصلاح" أسامة النجيفي "استهدافاً سياسياً" يدخل في السياق الاستهدافي الذي طال وزير الدفاع خالد العبيدي، المحسوب على "متحدون" والذي سبق أن سحبت عنه الثقة، عبر الآليات والسياقات ذاتها التي اعتبرها النجيفي "غير دستورية".
وتضع الكتل النيابية المصوتة على سحب الثقة، الأمر في إطار "الانتصار للاصلاح، وتنظيف الحكومة من الفاسدين"، كمّا عبّر النائب هيثم الجبوري، الذيو كان قد تصدّر عملية استجواب وزير المالية المُقال. في حين عدّت النائبة عالية ناصيف، إقالة زيباري "انتصاراً للشعب العراقي على الفاسدين"، ويذكر ان النائبة ناصيف، كانت قد قادت عملية استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي، قبل أكثر من شهر، والتي أدت إلى سحب الثقة عنه. وتنتمي ناصيف وكذلك الجبوري الى ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ولا يمكن اعتبار تحركات نواب المالكي المحمومة لاستجواب وحشد التأييد لإقالة وزراء محسوبين على المعسكر الخصم لائتلاف "دولة القانون" وزعيمه المالكي، إلا في إطار التحركات السياسية الهادفة لإحداث تغيير في تركيبة الحكومة العراقية، لصالح تحالف جديد يشكل ائتلاف المالكي نواته الأساسية كما يُجمع المراقبون. فالمالكي الذي شهد عهده ضياع قرابة 900 مليار دولار من المال العراقي، من الصعب أن يقنع الرأي العام، بنوايا ائتلافه الاصلاحية.
ويضع مراقبون ما يدور تحت قبة البرلمان العراقي، في سياق نجاح مساعي المالكي في انتاج تحالفات جديدة، عبر استثمار الانقسامات الداخلية للكتل حول قضايا سياسية داخلية كبرى، تتداخل فيها العوامل الإقليمية والدولية. وسهّلت شبكة التورط المتداخلة بين الكتل السياسية، في قضايا الفساد الإداري والمالي في البلاد، من عملية الاصطفاف السياسي الجديدة، التي برزت ملامحها مع إقالة وزير الدفاع، لتتضح خريطتها في جلسة التصويت على إقالة وزير المالية هوشيار زيباري.
وبدت التموضعات السياسية الجديدة، خارجة عن الاصطفافات المذهبية والقومية المعهودة؛ فبعد الانقسام الذي عصف بالكتل السنّية حول إقالة وزير الدفاع، أثمرت المساومات في اقرار قانون "العفو العام" بأصوات شيعية، مقابل تصويت "اتحاد القوى السني" برئاسة رئيس البرلمان سليم الجبوري على إقالة العبيدي.
ويبرز هذه المرة شقاق كردي-كردي، ، تجلى في تصويت نواب "الاتحاد الوطني الكردستاني" ونواب كتلة "التغيير" الكردية لصالح إقالة زيباري المقرب من رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني. الأمر الذي بدا كنتاج لما هو أبعد من توافق آني، بين الكتل الكردية المعارضة للرئيس برزاني وحزبه، مع كتلة المالكي وحلفائها في "التحالف الشيعي".
وتشير مصادر قريبة من الدوائر السياسية في السليمانية، معقل حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يتزعمه جلال الطالباني، إلى وجود تفاهمات استراتيجية بين الحزب والإيرانيين، تُشكل قضايا "الحرب على الارهاب" ومشاركة "الحشد الشعبي" في معارك الموصل المرتقبة وإدارة مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم "الدولة"، أبرز نقاطها. وشكلت تلك النقاط موضع تناحر بين القوى الشيعية الموالية لايران وبين رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، لتعطي الأزمة السياسية الداخلية التي تعصف بقطبي الإقليم، على خلفية الصراع على الرئاسة عقب انتهاء ولاية البرزاني، أرضية مناسبة لصياغة تفاهمات بين معارضي البرزاني الأكراد وبين خصومه في "البيت الشيعي" وعلى رأسهم نوري المالكي الذي يستثمر الأمر لتعزيز حضوره في المشهد الحكومي.
ولا يخفى استقواء القطبين الكرديين بجملة من التحالفات الإقليمية والدولية، التي تثبّت بدورها مواقع رئيس الإقليم مسعود البرزاني داخل كردستان، والتي تعززت بالدعم الأميركي لقوات "البيشمركة" الخاضعة لهيمنة حزبه، واعطائها دوراً رئيسياً في معارك الموصل المرتقبة. وهو ما يرى فيه خصوم البرزاني تقوية له داخلياً على حسابهم، وبسط نفوذه على مناطق جديدة يسعى البرزاني إلى ضمّها إلى إقليم كردستان. الأمر الذي دفع معارضي البرزاني الأكراد إلى تعزيز تفاهماتهم مع الطرف الموالي لإيران. و ما حدث مؤخراً تحت قبة البرلمان، من اصطفاف معارضي البرزاني مع مناصري نوري المالكي، ضد شخصية قوية ونافذة بحجم هوشيار زيباري محسوبة على البرزاني، لا يدخل إلا في صلب تفاهمات معدة باتقان. ومن المرجح أن يُستتبع ذلك بمعارك سياسية برلمانية مقبلة أهمها ما تطمح له قوى "الائتلاف الشيعي"، في تمرير مشروع قانون ادراج "الحشد الشعبي" ضمن مرتبات الجيش العراقي.
فهي بذلك تكون قد ضمنت أصواتاً كردية وازنة لصالحها داخل البرلمان. وفي المقابل، يضمن معارضو البرزاني، عدم استبعادهم من تقاسم كعكة النفوذ في حال دخل "الحشد الشعبي" إلى نينوى. ما يعطيهم نفوذاً عسكرياً يسعون للحفاظ عليه عبر التحالف مع "الحشد الشعبي" في شمالي نينوى وشرقها، حيث تتمركز قوات حزب "العمال الكردستاني" ذات العلاقات المميزة مع جلال الطالباني، بالاضافة لوجود قطع من "الأسايش" الموالية لطالباني.
كما أن حسم ملفات لا تقل أهمية عن السياسة والجغرافيا، سيما المتعلقة بالتفاهمات حول النفط في المناطق المتنازع عليها، والتي يسعى معارضو البرزاني الأكراد إلى قطف ثمارها مع حكومة بغداد، مستفيدين من ضعف العلاقة بين بغداد واربيل، على كافة الأصعدة والمستويات. وهو ما سيكون متاحاً في حال استطاع التحالف الجديد داخل البرلمان العراقي، الهيمنة على الحكومة عبر التخلص من الوزراء الخصوم، وصولاً الى التخلص من رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي تشير معطيات السياسية العراقية إلى قرب خضوعه لذات السيناريو الاستجوابي، ومن ثم سحب الثقة منه.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها