بدأت المرحلة الأولى من عمليات استعادة مدينة الموصل من تنظيم "الدولة الإسلامية"، الاثنين، مستهدفة مناطق سهل نينوى، المحاذية لمدينة الموصل من الجهة الشرقية والشمالية الغربية. وتقدمت قطعات عسكرية تابعة لــ"الفرقة 16" من الجيش الحكومي، مسنودة بقوات من البيشمركة الكردية، باتجاه مناطق بعشيقة وتل كيف، تحت غطاء جوّي مكثف من قبل طيران "التحالف الدولي"، وسط انهيارات ملحوظة لدفاعات تنظيم "داعش" خصوصاً في مركز ناحية بعشيقة، التي أعلنتها جهات عسكرية عراقية كأول منطقة "محررة" عقب ساعات قليلة على بدء العمليات.
واقتصرت مقاومة "داعش" على تبادل القصف بقذائف الهاون، في الساعة الأولى من بدء الهجوم، لتتمكن طائرات "التحالف" من اسكات مدفعية التنظيم، مفسحة المجال لتقدم القوات المشتركة تتقدمها قطعات عسكرية حكومية، ساعية لإطباق قوس عسكري حول الموصل. ومن المقرر أن تكمل القوس في المرحلة التالية من جهة الجنوب، وحدات من "الفرقة 9" و"الفرقة 11" من الجيش وقوات "مكافحة الارهاب"، المتمركزة في قضاء مخمور وناحية القيارة، التي تبعد قرابة 60 كيلومتراً جنوبي الموصل.
ومن المقرر أن تسير العمليات العسكرية، وفق الخطة التوافقية بين قوات الحكومة العراقية وبين قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق، القاضية بإناطة مهام اقتحام مدينة الموصل، للقوات الحكومية و"الشرطة الاتحادية" وعناصر "الحشد العشائري"، واقتصار مهام البيشمركة الكردية على تقديم الإسناد الناري ومسك الأرض في المناطق المحاذية للمدينة من جهتي الشمال والشرق.
وتحدثت مصادر مقربة من محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، لـ"المدن"، عما اسمتها "توافقات اللحظات الاخيرة"، والتي اقتضت نقل قطعات من الجيش الحكومي عبر خطوط البيشمركة، إلى محور بعشيقة شرقي الموصل، لتتولى مع قوات "الحشد الوطني السنّي" مهمة الاقتحام الأولى لمناطق الساحل الأيسر في عمق المدينة. وهو ما كان بحسب المصادر، تتويجاً لمفاوضات سياسية وعسكرية بين بغداد وأربيل بحضور أميركي، أفضت إلى اقناع البيشمركة بضرورة عدم التقدم إلى عمق المدينة وقصر الأمر على قوات الجيش الحكومي و"الحشد الوطني".
وكان الخلاف حول هوية القوات التي ستباشر اقتحام مدينة الموصل، هو السبب الرئيس وراء تأخر اعلان انطلاق العمليات. وهو غالباً، بحسب المصادر، الأمر الذي أشار اليه رئيس الوزراء حيدر العبادي، في خطاب إعلان المعركة بـ"محاولات العرقلة التي تم وأدها". وكان العبادي قد تجاهل ذكر مليشيا "الحشد الشعبي" عند تسميته للقوى التي ستشارك في معركة استعادة الموصل.
ومحاور الهجوم، تتمثل في سبع طرق رئيسة، تتركز معظمها في مناطق سيطرة البيشمركة الكردية في سهل نينوى، وأهمها طريق بعشيقة-نوران، وطريق الخازر السريع الواصل بين مدينتي أربيل والموصل، وطريق أسكي كلك شرقي المدينة، وطريق الكوير في الجنوب الشرقي. بينما تمسك قوات الحكومة العراقي بشكل كامل، بمحور القيارة جنوبي الموصل، والذي يعتبر محوراً صعباً نظراً لبعده عن مركز المدينة بمسافة 60 كيلومتراً ويعترضه موقع الشورة الأشد تحصيناً لـ"داعش".
وتتحضر "الدولة الاسلامية" منذ اسابيع للدفاع عن آخر وأهم معقل مدني لها في العراق، عبر قطع الطرق الرئيسة داخل المدينة، بالحواجز الاسمنتية، وتفخيخ الجسور الواقعة على نهر دجلة والتي تصل بين جانبي المدينة، واخلاء المواقع والابنية الرئيسة للتنظيم من عناصرها، تجنبا للقصف الجوّي والصاروخي المكثف والذي بدأ يطال المواقع التي طالما اتخذها التنظيم كمقرات له.
وتحدثت مصادر مدنية من داخل الموصل، لـ"المدن"، عن اجراءات قام بها التنظيم بغية التشويش على طيران "التحالف" والصواريخ الموجهة، عبر اشعال الاطارات المطاطية، والخنادق المملوءة بالنفط الخام، ما احدث سحابة دخانية واسعة فوق المدينة. ونفت المصادر ما تردد في وسائل اعلام محلية، عن دعوة التنظيم عناصره عبر مكبرات الصوت الى الانسحاب من مدينة الموصل.
واوضحت المصادر، قيام التنظيم باجبار شبّان موصليين، على القيام بأعمال حفر للخنادق، والمرابطة على محاور دفاعية وسط الاحياء المدنية، في سياق سياسة التجنيد الاجباري التي يتبعها منذ سيطرته على المدينة قبل اكثر من عامين. والدعوات عبر مكبرات الصوت هي لدعوة شباب المدينة إلى "تلبية واجب الدفاع عن دولة الخلافة"، والانتظام في "التجنيد العام" لمن تلقوا اجبارياً تدريبات عسكرية في معسكرات التنظيم.
ويرى مراقبون من داخل مدينة الموصل، في هذا الاجراء مؤشرّاً على حاجة التنظيم للعنصر البشري، بعد أن فقد قسماً كبيراً من تشكيلاته العسكرية المحترفة، في معاركه السابقة، في مناطق عراقية مختلفة، وكذلك ارسال جزء مهم من كوادره الاجنبية المقاتلة، الى الساحة السورية، للمشاركة في المعارك القائمة هناك.
ولا يُستبعد ان تتحول العناصر المحليّة المُجنّدة الى قنبلة داخلية انقلابية، قد تتفجر في وجه القيادة العسكرية للتنظيم مع بداية اختراق القوات الحكومية و"الحشد العشائري" حدود المدينة، طالما انها قوات نظيفة من عناصر "الحشد الشعبي" التي يشكل دخولها مصدر تخوف اساسي للسكان المحليين.
وكانت مليشيا "الحشد الشعبي" قد أعلنت في وقت سابق اتمام استعداداتها لدخول المعركة، ونشرت مواقع تابعة مليشيا "بدر" تسجيلات مصورة لعمليات قصف صاروخي قالت إنها ضد مواقع "داعش" في منطقة "تل عبطة" جنوب غربي الموصل. وتتخوف جهات محلية وعشائرية من استثمار "الحشد"، لأي تعثّر قد تقع فيه قوات الجيش في المحور الجنوبي، لتباشر زحفها البري بحجة اسناد الجيش، كتكرار لسيناريو مشابه جرى في معارك استعادة الفلوجة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها